Abstract:
تعالج هذه الدراسة المحاكم التجارية المتخصصة وفقا التشريعات والتنظيمات القانونية المقارنة، والتي جاءت لتكريس القضاء التجاري المتخصص وتعزيز المناخ التجاري، لذا يستوجب تخصيص قضاء مستقل للفصل في المنازعات التجارية بواسطة قضاة متخصصين ومساعدين لهم دراية وخبرة بالأعراف التجارية بهدف تطوير البيئة التجارية لاستقطاب الاستثمار الوطني. كان على المشرع الجزائري جعل المنظومة القضائية تتماشى مع التقدم الذي شهده عالم الاقتصاد في الزمن الحالي.
وبإجراء مقارنة تحليلية مع كل من النظام القضائي التجاري في فرنسا ومصر، باعتبارهما نموذجين قانونيين مؤثرين في التشريع الجزائري. فقد جاءت هذه الدراسة في ظل التعديلات الحديثة التي شهدها قانون الإجراءات المدنية والإدارية، خاصة ما تعلق بإنشاء محاكم تجارية متخصصة، وإضفاء الطابع المهني والدقيق على الفصل في المنازعات ذات الطبيعة التجارية.
في النظام القانوني الفرنسي تتميز المحاكم التجارية بطابعها المهني، حيث يُنتخب القضاة من بين التجار، مما يمنح هذه الهيئات فهماً عميقًا للبيئة التجارية ويُسرّع في معالجة النزاعات. أما في مصر فرغم الطابع القضائي الصرف للمحاكم التجارية، إلا أنها تخصص دوائر مستقلة داخل المحاكم العادية للنظر في القضايا التجارية، وهو ما يحقق نوعًا من التخصص داخل بنية القضاء العام.
أما الجزائر فقد اعتمدت منذ الاستقلال على الأقسام التجارية داخل المحاكم الابتدائية، دون وجود محاكم تجارية مستقلة كما هو الحال في فرنسا، وهو ما أدى إلى بعض القصور في معالجة النزاعات التجارية بالفعالية المطلوبة. وقد سعى المشرع الجزائري إلى تدارك هذا النقص من خلال التعديل الأخير لقانون الإجراءات المدنية والإدارية رقم 08-09 المعدل والمتمم بموجب القانون رقم 22-13، الذي عزز التوجهنحو التخصص القضائي من خلال آلياتعدة، أهمها إجبارية الصلح وتشكيلات جماعية من قضاة ذوي كفاءة تجارية، مع إمكانية الاستعانة بخبراء مختصين.
تُظهر المقارنة أن النموذج الفرنسي يكرّس التخصص الكامل عبر قضاء مهني، في حين يعتمد النموذج المصري على قضاء مهني إداري داخل المحاكم العامة، بينما تسعى الجزائر حاليًا إلى تطوير نظامها القضائي التجاري من خلال خطوات تدريجية مستوحاة من كلا النموذجين، بهدف تحسين مناخ الاستثمار وضمان الأمن القضائي في المجال الاقتصادي.