|

Login

Teaching activities

 

2013-2014


Module: Ø§Ù„قانون الدستوري

Département des Enseignements de Base en Droit

Abstract:

محاضرات في القانون الدستوري السداسي الأول

المبحث الثالث: السلطة السياسية

السلطة السياسية هي أحد الأركان الأساسية المكونة للدولة، ولأكثر من ذلك أنه إلى غاية نهاية العصور الوسطى كان هناك  Ø®Ù„Ø· بين السلطة  ÙˆØ§Ù„دولة نتيجة ترابط السلطة السياسية بشخصية الحاكم، كما قال لويس الرابع عشر عبارته الشهيرة "الدولة هي أنا"ØŒ لذا كان مفهوم السلطة يشكل نظاما من السيطرة والهيمنة المستمدة من القوة والعنف.

غير أن نجاح الثورتين الأمريكية والفرنسية ساهم في اندثار هذا المفهوم وبالتالي أصبحت السلطة السياسية لا تعدو أن تكون فقط الهيئة أو الجهاز الحاكم، الذي يتخذ القرارات باسم كل الأفراد المكونين للجماعة بهدف تنظم سلوكها وكذا كافة الاجراءات الضرورية لذلك، وإذا كانت الثورة الفرنسية قد سمحت باستقلال السلطة السياسية عن شخصية الحاكم فإن التطورات اللاحقة جعلتها أيضا تكون شرعية وقانونية، بعدما كانت في السابق سلطة فعلية وبالتالي اكتسبت مجموعة من الخصائص التي تميزها وبالتالي أمكن التمييز بين السلطة الشرعية والمشروعة.

المطلب الأول: خصائص السلطة

هناك قاعدة ثابتة تقول أنه ينما وجد جماعة تكون هناك سلطة، وبغض النظر عن أنواعها والاشكالات المطروحة في تحديد مفهومها، فإن السلطة السياسية للدولة تتميز بخصائص أبرزها:

أولا: أنها سلطة مركزية عليا

فهناك سلطة واحدة في الدولة موجود على مستوى المركز يخضع لها جميع الأفراد، و لا توجد بينها و بينهم سلطات وسيطة، كما أنه لا توجد سلطة منافسة لها على الإقليم، فهي بالتالي لا تخضع لسلطة تعلوها.

ثانيا: أنها سلطة ذات اختصاص عام

إن النشاط الذي تمارسه السلطة السياسية للدولة ليس له حدود بل يشمل سائر نواحي الحياة، فإلى جانب ممارستها للنشاطات التقليدية المتعلقة بتنظيم المجتمع و لدفاع الخارجي، فإنها تعمل أيضا على فض المنازعات التي قد تثور بين الأشخاص سواء الطبيعية أو المعنوية تجسيدا لما تصدره من تشريعات، بل إنها أصبحت تدخل حتى في الحقل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وغيرها.

ثالثا: أنها سلطة مدنية

من المسلم به أن السلطة السياسية في ظل الدولة الحديثة يجب أن تكون مدنية وليست عسكرية، ولتتماشى مع مبادئ الدمقراطية فمن الضروري أيضا أن يكون ممثلوها منتخبين من طرف الشعب بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذا لا يعني تغييب السلطة العسكرية أو تقزيمها، ولكن هذه الأخيرة وجدت لضمان واجبات الدفاع الوطني على أن تظل خاضعة السلطة المدنية.

رابعا: أنها سلطة تحتكر الإكراه المادي

من الضروري أن تكون السلطة السياسية تحتكر وسائل الإكراه المادي كالجيش، الدرك، الشرطة والقوة العمومية وجهاز القضاء و المخابرات، وغيرها مما يجعلها قادرة على أداء المهام التي تضطلع بها على أكمل وجه من جهة، وبما يجعل الأفراد يخضعون لسلطانها ويتقبلون أحكامها.

خامسا: أنها سلطة دائمة

من النتائج الأساسية التي ترتبت عن استقلالية شخصية الدولة عن شخصية الحاكم أن السلطة السياسية لها أصبحت تمتاز بالدوام، فالسلطة تبقى ببقاء الدولة بغض النظر عن بقاء أو زوال حكامها اللذين يمارسون الحكم فيها، Ùˆ لهذا فإن المعاهدات التي تبرمها دولة مالا تنتهي بوفاة الرئيس الذي أبرمها Ùˆ إنما تلزم بها السلطة الحاكمة التي تمثل الدولة بعد زواله، كما أنه لا يقبل التصرف فيها بأي نوع من أنواع التصرفات لأن الإنسان يتصرف فيها كمالك، Ùˆ الحكام لا يملكون السلطة Ùˆ إنما يمارسونها فقط. 

سادسا: أنها سلطة أصلية

تعتبر سلطة الدولة أصلية ولا تنبع من إي سلطة أخرى بل على العكس فإن السلطات الأخرى الموجودة في إقليمها تنبثق منها Ùˆ تخضع لها، فهي التي تضع النظام القانوني الذي يخضع له الأشخاص Ùˆ تنظم  نفسها بنفسها، كما أنها لا تخضع داخليا أو خارجيا لغيرها ففي الداخل تمثل أعلى السلطات Ùˆ في الخارج فهي ذات سيادة Ùˆ تتمتع بالاستقلال السياسي Ùˆ لا تكون تابعة لأية دولة أجنبية أخرى.

المطلب الثاني: السلطة بين الشرعية و المشروعية

تعتبر الشرعية والمشروعية من أبرز الاشكالات المطروحة بالنسبة للسلطة السياسية للدولة، ليس فقط على أساس أنهما يعتبران المستند الذي يقوم عليه النظام الحاكم في أي دولة وبه أيضا تتحجج المعارضة، بل أيضا لصعوبة فهمهما وتدقيق معناهما.

وعلى كل فإن الشرعية (La Légitimité) هي صفة تطلق على سلطة يعتقد الأفراد أنها تتطابق Ùˆ الصور التي كونوها داخل المجموعة الوطنية أي تطابق السلطة في مصدرها Ùˆ تنظيمها مع المبادئ التي يقوم عليها المجتمع، وعليه أمكن القول بأن السلطة الشرعية هي تلك التي تستند في وجودها إلى الإرادة الشعبية، فهي تتماشى Ùˆ تتوافق في مصدرها Ùˆ طرق ممارستها Ùˆ الأهداف التي تسعى لتحقيقها  مع ما يعتقده أفراد المجتمع بأنه الفضل في كافة مجالات الحياة، Ùˆ من هنا فلا وجود للشرعية طالما أن الأفراد لم يتقبلوا أسلوب الحكم Ùˆ هي الأساس في تمييز الأنظمة الديمقراطية عن غيرها.

أما المشروعية (La Légalité) فهي مرتبطة بالقانون الوضعي، فيعد العمل والتصرف مشروعا اذا كان يتطابق Ùˆ القواعد القانونية الوضعية كالدستور Ùˆ القانون،  وعليه فإن السلطة تعتبر مشروعة إذا كانت قائمة على أسس قانونية، بغض النظر عمّا إذا كان الشعب يرغب فيها أم لا.

وفي الأخير نشير إلى أن هناك ركن آخر يقر به بعض الفقهاء ويرفضه بعضهم، ويتعلق الأمر بالاعتراف الدولي، فالاتجاه الأول يرى بأن الدولة لا يمكن أن يكتمل وجودها القانوني إلا إذا حظيت باعتراف الدول الأخرى بها و أنظمت إلى المجموعة الدولية، مما يجعل الاعتراف الدولي ركننا منشئا، أما الاتجاه الثاني فيرى بأن الدولة لا تحتاج سوى للأركان الثلاثة المتمثلة في الشعب والإقليم والسلطة السياسية لقيامها، فالدول التي تكونت في عهود سابقة لم تكن في معظمها بحاجة إلى الاعتراف بها من بقية الدول، وكذلك الأمر بالنسبة للدول حديثة النشأة وبالتالي فالاعتراف الدولي لا يعدو أن يكون ركننا كاشفا لوجود الدولة وليس منشئا لها.

الفصل الثالث: خصائص الدولة

حتى نميز بين خصائص الدولة وأركانها فمن الضروري أن نعرف أن الأركان هي الأسس التي لا تقوم الدولة بدوناه، وإذا فقد أحدها فسيزول وجودها، أما الخصائص فهي تلك المميزات التي تتسم بها الدولة والتي لا يؤدي فقدانها إلى زوال الدولة، وبالتالي فالخصائص الأساسية للدولة هي الشخصية القانونية ، السيادة وأخيرا خضوع الدولة للقانون.

المبحث الأول: الشخصية القانونية للدولة

كما أشرنا إلى ذلك سابقا، فإن شخصية الدولة سابقا كانت غائبة تجسدها فقط شخصية الحاكم، مصداقا لذلك جاءت مقولة الملك الفرنسي لويس الرابع عشر[1] "الدولة هي أنا"، لكنها تجسدت بداية من نجاح الثورة الفرنسية في عام 1789، على الرغم من أن الفقهاء يختلفون بين منكر لها ومن يتقبلها، إلا أن وجودها تترتب عليه مجموعة من النتائج المهمة.

المطلب الأول: موقف الفقه من الشخصية القانونية للدولة

يقصد بالشخصية القانونية أهلية الشخص لاكتساب الحقوق و تحمل الالتزامات، ولإن كانت القدرة على التمتع بالحقوق وتحمل الالتزامات قاصرة على الشخص الطبيعي فقط، فإن ظهور بعض الأنماط التي درج على تسميتها بالشخص المعنوي جعلها تلتحق بالشخص الطبيعي في تحمل الالتزامات والتمتع بالحقوق على غرار الدولة، ولكن صاحب ذلك جدل كبير لدى الفقهاء بين من يعارضها بناء على جملة من القرائن وبين من يؤيدها ويقدم لذلك حججه أيضا.

الفرع الأول: الرأي المعارض للشخصية المعنوية للدولة

هناك عديد من الفقهاء الذين يرفضون الاعتراف بالشخصية المعنوية للدولة منهم الاتجاه الفرنسي الذي يترأسه ليون دوجي الذي أطلق مقولته الشهيرة "لم يسبق لي أن تناولت وجبة الفطار مع شخص معنوي"، وهو يرى أن الدولة ما هي إلا تعبير عن إرادة مجموعة صغيرة من أفراد المجتمع التي ينصاع لها غالبية أفراده، وغير بعيد عن ذلك توجه الفقه الألماني الذي يرى أن الدولة هي أداة في يد الزعيم الذي يوجه وينظم الأمة، وأن إرادة الدولة هي نفسها إرادة الزعيم، أما الفكر الماركسي فإنه يرى أن الدولة تتجسد في الفئة البرجوازية التي تحكم سيطرتها على الفئة البروليتارية، وأن إرادة الدولة إنما هي إرادة الفئة البرجوازية.

ويعاب على هذا الاتجاه أنه لم يقدم البديل عن الشخصية التي تتمتع بها الدولة، وكيف يمكن أن تنصرف التصرفات التي تتخذ بسمها إلى مسؤوليتها، وقد رد جون كلود سويي (Jean-Claude Soyer) على ليون دوجي بقوله "نعم ولكني رأيته مرات عديدة يدفع حساب الوجبة"، والحقيقة أن الانتقادات التي تقدم لهؤلاء هي نفسها التي قدمت لنظريات التضامن الاجتماعي والنظرية الماركسية في أصل نشأة الدولة وكذا النظرة الألمانية لمقومات الأمة.

الفرع الثاني: الرأي المدافع عن الشخصية المعنوية للدولة

يقصد كمبدأ عام بالاعتراف بالشخصية القانونية القدرة على التمتع بالحقوق وتحمل بالالتزامات، أي القابلية التي تؤهل الشخص لأن يكون طرفا إيجابيا أو طرفا سلبيا بشأن الحقوق، أما الشخصية المعنوية فيمكن تعريفها على أنها "مجموعة من الأشخاص والأموال التي تهدف إلى تحقيق غرض معين، ويعترف لها القانون بالشخصية القانونية بالقدر الكافي لتحقيق هذا الغرض"ØŒ وعلى أساس ذلك يعترف الكثير من الفقهاء أن الدولة تتمتع بشخصية معنوية مستقلة ØŒ تمارس جميع الحقوق الممنوحة للشخص المعنوي وشخصيتها منفصلة تماماً عن شخصيات الأفراد الذين يمارسون السلطة والحكم فيها، ويترتب عن ذلك مجموعة من النتائج المهمة منها دوام الدولة ووحدتها، التمتع بالذمة المالية، أهلية التقاضي،  والمساواة بين الدول.

المطلب الثاني: نتائج تمتع الدولة بالشخصية القانونية

وكما أشرنا إلى ذلك سابقا فإن الاعتراف بالشخصية القانونية للدولة تترتب عنه مجموعة من النتائج هي:

الفرع الأول: دوام الدولة ووحدتها

إن الدولة ليست كغيرها من الأشخاص فهي تعتبر وحدة قانونية مستقلة عن أشخاص الحكام وبالتالي تكون السلطة التي يمارسها الحكام ملكا للدولة يباشرها هؤلاء باسم الجماعة الوطنية ولمصلحتها، كما ينتج عنها ايضا تمتعها بصفة الدوام و الاستمرار، وأن زوال الأشخاص القائمين لا يؤثر في بقائها فالمعاهدات و الاتفاقيات التي تبرمها الدولة و القوانين التي تسنها تبقى نافذة بالرغم من تغيير نظام الحكم أو أشخاص الحكم الذين تعاقدوا باسمها.

الفرع الثاني: استقلالية الذمة المالية

من جهة ثانية يترتب عن الشخصية القانونية التي تتمتع بها الدولة تمتعها بذمة مالية خاصة مستقلة عن ذمم الأشخاص اللذين يعملون باسمها ولحسابها، والذين يتلقون أصلا أجورا من أموالها، كما أن كل الأعمال التي يقومون بها تمول من أوال الدولة سواء صنفت في خانة الحقوق أو التزامات،  وسواء تعلق الأمر بإدارة المرافق العامة أو هيئة الجيش للدفاع والشرطة فإن اقتطاع حقوقها يكون من الذمة المالية للدولة، أما عن مصدر هذه الأموال فإن أغلبها يكون من الضرائب Ùˆ الرسوم والغرامات المختلفة، زيادة على المنافع المالية التي قد تجنيها من إدارتها لبعض المشاريع العمومية.

الفرع الثالث: أهلية التقاضي

إن تمتع الدولة بالشخصية القانونية يجعلها تتمتع بالحقوق وتتحمل مجموعة من الالتزامات التي تجعلها في مركز قادر على ممارسة الحق في التقاضي، للدفاع عن حقوقها أو نتيجة للالتزامات التي تلقى على عاتقها، خاصة وأنها تدخل في علاقات متشابكة مع الأشخاص الطبيعية والمعنوية على حد سواء في شكل عقود أو قرارات إدارية تصدرها في حقهم، أو مع دول أخرى عن طريق إبرام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.

الفرع الرابع: المساواة بين الدول

إن الاعتراف بالشخصية المعنوية للدولة يترتب عليه ميلاد شخص قانوني دولي قادر على إحداث تصرفات قانونية، ويتساوى مع بقية الدول من حيث أنه يكون له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات التي تثبت لغيره من أشخاص القانون الدولي، ثم تبرز أيضا مسألة المساواة بين الدول من خلال السيادة التي تعتبر خاصية تتميز بها جميع الدول كمبدأ عام.

المبحث الثاني: السيادة

إن موضوع السيادة كان ولايزال واحد من أكثر المواضيع تداولا سواء لدى فقهاء القانون الدولي أو لدى فقهاء القانون الدستوري، ومن أبرز النقاط الشائكة لدى هؤلاء تكييف السيادة هل هي ركن من أركان الدولة أما خاصية من خصائصها، على الرغم من أن أبرز الفقهاء يعتبرونها خاصية على اعتبار أن فقدانها لا يؤدي إلى زوال الدولة على عكس الأركان التي لا يمكن لها الاستمرار في حال ما إذا فقدت أحدها، وهذا إلى جانب عدم قدرتهم على تحديد مفهوم موحد ولا حول مداها أو مضمونها، و العناصر المكونة لها و خصائصها و مظاهرها.

المطلب الأول: مفهوم السيادة

من الصعب أن نعطي تعريفا موحدا للسيادة على الرغم من كونها أحد أقدم المواضيع التي تناولها الفقه بالدراسة، وكذلك الأمر بالنسبة لخصائصها.

الفرع الأول: تعريف السيادة

السيادة هي وضع قانوني تتمتع به الدولة عندما تتوافر فيها مقومات مادية من مجموع بشرية وإقليم وهيئة حاكمة، وهي تمثل ما للدولة Ù…Ù† سلطان تواجه به الأفراد داخل إقليمها وتواجه به الدول الأخرى في الخارج، ومن مقتضيات هذا السلطان أن يكون مرجع تصرفات الدولة في مختلف شؤونها إرادتها وحدها، Ùˆ يتفق جمع كبير من الفقهاء على أن «Ø§Ù„سيادة هي السلطة القانونية المطلقة التي تملك –دون منازع- الحق "القانوني" في مطالبة الآخرين بالالتزام والخضوع على النحو الذي يحدده القانون ÙˆØ¹Ø¯Ù… الخضوع لأي سلطة مهما كانت طبيعتها ومصدرها إلا في حدود إرادة الدولة».

الفرع الثاني: خصائص السيادة

إن معظم التعريفات المقدمة للسيادة تستند في الحقيقة إلى مجموعة من الخصائص التي تتميز بها هذه الأخيرة والتي سنبينها فيما يلي:

أولا: أنها سلطة أصلية

فسيادة الدولة لا تستمد لا وجودها ولا مصدرها من أحد ولا تتفرع عن أي سلطة بل هي قائمة بذاتها، مما يجعل سلطة الدولة تختلف عن كل السلطات الأخرى التي توجد على إقليم الدولة والتي تستمد وجدها منها وتكون في علاقة تبعية لها.

ثانيا: سلطة قانونية

بمعنى أن السيادة تعتمد في قيامها على القانون وتستمد مشروعيتها منه وتراعي أحكامه أثناء ممارسة مظاهرها، وعلى أساس ذلك فإن الأشخاص الذين يمارسونها تكون لهم سلطة إصدار القوانين وتطبيقها ولو بالإكراه على المحكومين، لكنها في المقابل ليست سلطة تعسفية أو استبدادية بل تخول فقط ممارسة الصلاحيات المسندة لسلطات الدولة في إطار القيود التي يضعها القانون.

ثالثا: أنها سلطة واحد

أي أنها سلطة غير قابلة للتجزئة فعلى الرغم من تعدد الهيئات في الدولة فإن ذلك لا يعني مطلقا أن السلطة مفتتة، وإنما هي مجرد أدوات لممارسة هذه السلطة فهي تتقاسم اختصاصات هذه الأخيرة فقط Ùˆ لا تتقاسم السلطة ذاتها، كما أنه لا توجد في الداخل منظمة منافسة لها أو أقوى منها، على أساس أن  Ù‚وة الدولة تمتاز بأنها قوة مادية واقعية يمكن لها اللجوء الى استخدام القوة Ùˆ الإكراه المادي عند الضرورة قصد تحقيق أهدافها.

المطلب الثاني: صاحب السيادة

إن أصل مصطلح السيادة وبالفرنسية (Souveraineté)[2] تنبع من السيد وهو الملك أو الحاكم بصفة عامة، وأول ما ظهرت كانت بهدف الدفاع عن الملوك إزاء سلطة البابا والإقطاعيين،  الذي لابد أن تكون له سلطة مطلقة يمارسها على حدود إقليمه وعلى رعيته لا يشارك فيها أحد، ولقد فسرت هذه السلطة قديما على أساس طبيعة الحاكم الإلهية أو لكونه خليفة الله في الأرض بالنسبة للنظريات الدينية، وتفسر استنادا للقوة الجسدية أو الفكرية أو المالية بالنسبة لنظريات القوة والغلبة، غير أن النظريات الحديثة تنزع الصفة السيادية للحاكم وتلحقها بالأمة أو بالشعب فظهرت على أساس ذلك نظريتين.

الفرع الأول: نظرية سيادة الأمة

يعتبر الكثير من الدارسين أن نظرية سيادة الأمة هي وليدة أفكار الفقيه الفرنسي جون جاك روسو التي صاغها في كتابه بعنوان "العقد الاجتماعي"، واعتنقتها الثورة الفرنسية بعد نجاحها في عام 1789 وكرستها كمبدأ دستوري من خلال وثيقة إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادرة في نفس السنة وذلك في المادة الثالثة التي تنص على أن "الأمة هي مصدر كل سيادة".

ومفاد هذه النظرية أن السيادة في الدولة تعود للأمة باعتبارها كائنا مجردا و مستقلا عن الأشخاص المكونين لها، وهي وحدة واحدة لا يمكن أن تتجزأ، ولا يمكن التصرف فيها أو التنازل عنها كما أنها تكون مطلقة دائمة، عامة، و شاملة[3]، أما نتائجها فهي تتمثل فيما يلي:

1- الانتخاب وظيفة وليس حقا فيمارسه مجموعة من الأشخاص دون غيرهم.

2- الاخذ بالاقتراع المقيد .

3- النائب ممثل للامة ولا يمثل الأشخاص الذين انتخبوه.

4- استقلالية النائب عن الأشخاص الذين انتخبوه (رفض مفهوم الوكالة الإلزامية).

5- الاخذ بنظام المجلسين.

6- أن القانون هو تعبير عن إرادة الأمة.

نقد:

إن منح السيادة للأمة يعني تمتعها بالشخصية القانونية وهذا يجعلنا نكون أمام شخصين قانونين هما الأمة والدولة ونحن نعلم أن هناك شخصية واحدة تعود للدولة، ثم إن الجزم بتمتع الأمة بالسيادة يؤدي إلى تأكيد السلطة المطلقة لممثليها، وهذا سيؤدي الى ضياع الحقوق و الحريات الأساسية للأفراد، فبالنظر الى المبادئ التي تتبناه هذه النظرية فإن ممثلي الأمة حينما يسنون قانونا فإنهم يعبرون عن ارادة الأمة، و لكون أن هذه الإرادة مشروعة فلا بد على الأفراد الخضوع لها و لو تعلق الأمر بمساس و اهدار حقوقهم و حرياتهم.

الفرع الثاني: نظرية سيادة الشعب

إن التطور الذي لحق بالمذهب الفردي ، والانتقادات التي وجهت إلى مبدأ سيادة الأمة كانت أسبابا كافية لظهور أصوات تنادي بضرورة تجسيد التمثيل النسبي الحقيقي للشعب، فجاءت إذن نظرية سيادة الشعب على أنقاض نظرية سيادة الأمة والتي ترى أن السيادة ملك للجماعة التي تتكون من عدد من الأفراد، وأن كل فرد من هؤلاء الأفراد يمتلك جزء من السيادة يعبر عنها عن طريق انتخاب ممثلين لهم يمارسون السلطة باسمهم ولحسابهم، وأن مجموعة هذه السيادات التي يمتلكها جميع الأفراد هي التي تتحد فتشكل سيادة الدولة، وعلى غرار نظرية سادة الأمة فالأخذ بهذه النظرية أيضا تترتب عنه جملة من النتائج هي:

1- تجزئه السيادة بين كل أفراد الشعب ولكن بمفهومه السياسي.

2- الانتخاب حق يتمتع به كل فرد من أفراد الشعب لاختيار ممثليه وليس وظيفة.

3- الأخذ بالاقتراع العام ولا تلاد عليه سوى بعض الشروط البسيطة.

4- الأخذ بمفهوم الوكالة الإلزامية مما يجعل الناخب يمثل الدائرة الانتخابية التي انتخبته.

5- الأخذ بنظام التمثيل النسبي.

6- القانون تعبير عن إرادة الأغلبية وليس عن إرادة الأمة.

نقد:

إذا كانت نظرية سيادة الأمة تشجع على استبداد الحكام فإن نظرية سيادة الأمة تشجع على استبداد الشعب الذي قد يكون أشد وطئا وأكثر خطورة، ثم يمكن أن نلاحظ أنها تكرس الجهوية على أساس أن النائب المنتخب يمثل الأشخاص الذين انتخبوه مما يجعله يسعى فقط لخدمتهم لضمان اعادة انتخابه، والنقطة الأخيرة التي يمكن أن نثيرها تتعلق بالاقتراع العام الذي يمنح الحق في الانتخاب حتى للفئات التي ليس لها الوعي السياسي الكافي مما يجعل الارادة الشعبية تصادرها الأغلبية الجاهلة التي تنخدع بالوعود الكاذبة وتجنح وراء مصالح الضيقة، بينما تبقى المصلحة العليا للدولة –وهي الأهم- بعيدة عن حساباتهم.

المطلب الثاني: أشكال و مظاهر السيادة

تنقسم السيادة إلى قانونية و سياسية كما أنها تتجسد عمليا من خلال مظهرين أساسيين أحدهما داخلي و الأخر خارجي.

الفرع الأول: أشكال السيادة

يقصد بالسيادة القانونية سلطة الدولة في اصدار التشريعات بواسطة ممثليها ومن خلال الأجهزة المخولة بذلك ثم العمل على تنفيذها و معاقبة كل من يخالفها، أما السيادة السياسية فيراد بها الشعب بمفهومه السياسي الذي يرجع له الفضل في اختيار المسؤولين السياسيين الذين يكون لهم حق ممارسة السيادة القانونية، فهي بذلك سلطة الشعب في اختيار من يتولى مسؤولية إدارة الشؤون العامة في الدولة.

الفرع الثاني: مظاهر السيادة

تتجلى السيادة على مستويين تتحد من خلالهما مظاهر السيادة، المستوى الأول هو ما يعرف بالسيادة الخارجية التي تبرز فيها السيادة بمظهر سلبي، ذلك أن الدولة من الناحية الخارجية لا تخضع إلى أي سلطة مهما كان مصدرها سواء كانت الدول أو المنظمات الدولية، فهي لا تتقيد بأي قيد إلا وفق إرادتها الحرة، أما على المستوى الداخلي فهي تظهر بالوجه السلبي الذي أشرنا إليه وبالوجه الإيجابي الذي يشير إلى خضوع جميع رعاياها وكل ما يقع على حدود إقليمها لسلطتها المطلقة.

المبحث الثالث: خضوع الدولة للقانون(دولة القانون)

شاع كثيرا استعمال عبارة "دولة القانون" في السنوات الأخيرة في الأوساط السياسية، كما باتت تحتل مكانة بارزة في الدراسات الدستورية كخاصية تمتاز بها الدولة الحديثة، و المقصود به خضوع الحكام و كافة أجهزة الدولة التي تمارس السلطة للقيود التي يفرضها القانون بشكل عام والدستور بشكل خاص.

وقد ظهر هذا المبدأ عبر عدة مراحل وكان ذلك بعد زوال الدولة في شكلها القديم والتي كانت مجسد في الحاكم الذي لم يكن يخضع لأي نوع من القيود إلا قليلا، ثم بدأ الأمر يتغير بانتشار المسيحية وما حملته من قيم و أفكار وترسيخ لعديد من الحقوق الفردية، ولحقها الإسلام الذي لم يميز بين الحكام والمحكومين وجعل شؤون الحكم شورى بين المسلمين، ولكن معلى هذا كله فإن خضوع الدولة للقانون حملته أفكار عديد من فقهاء عصر التنوير، ثم كرستها الثورتين الأمريكية والفرنية.

وفي الحقيقة موضوع مبدأ خضوع الدولة للقانون يطرح من زاويتين أساسيتين، الأولى تتعلق بالنظريات التي تحاول تفسير خضوع الدولة للقانون، والثانية تنصب على دراسة ضمانات تحقق هذه الخاصية.

المطلب الأول: النظريات المفسرة للمبدأ

إذا كان رأي الفقه الدستوري الحديث أصبح مستقرا على كون خضوع الدولة للقانون خاصية أساسية من خصائص الدولة، فإنه مع ذلك يبقى الإشكال مطروحا حول كيفية تحقيق ذلك في ظل تمتع الدولة بالسيادة التي تجعلها لا تخضع إلى أي قيد؟ فجاءت مجموعة من النظريات التي حاولت أن تزيل هذا التعارض بالاعتماد على أسس مختلفة.

الفرع الأول: نظرية الحقوق الطبيعية

ترى هذه النظرية أن هناك مجموعة من الحقوق و الحريات التي يتميع بها الأفراد و هي مبادئ خالدة و أولية ولدت مع الإنسان و هي منبثقة منه باعتباره كائنا اجتماعيا يدخل في علاقات اجتماعية مع غيره، وهي سابقة في وجودها على وجود الدولة مما يجعلها تسمو عليها.

وبالتالي لا تستطيع النيل منها وما ظهور الدولة إلا لحماية هذه الحقوق و ما دامت هذه الحقوق سابقة على كل تنظيم سياسي فهي تخرج عن سلطات الدولة و يترتب عن ذلك احترام الدولة لهذه الحقوق، لتصبح هي القيد الوحيد لسيادة الدولة، وعليه فلا تعارض بين خضوع الدولة للقانون وما بين مبدأ السيادة ما دامت الدولة أصلا موجودة الحقوق الطبيعية هذه.

الفرع الثاني: نظرية القانون الطبيعي

بحسب هذه النظرية فإن الأفراد قبل وجود الدولة كانوا يعيشون تحت كنف القانون الطبيعي الذي ينظم حياتهم، وأن الدولة وجدت لتعزيز هذا القانون والسهر على أن يطبق من طرف الأفراد ، ولكن يبقى هذا القانون قيدا على سيادتها فهي ملزمة على احترامه وتطبيق أحكامه، ومن أمثلة القوانين الطبيعية نذكر العقد شريعة المتعاقدين ومبدأ الدفاع الشرعي وغيرها.

نقد:

إن الانتقاد الموجه لنظرية القانون الطبيعي هو نفسه الانتقاد الموجه لنظرية الحقوق الطبيعية، بحيث أن القول بوجود حقوق طبيعية وقانون طبيعي قول يتصف بالخيال، إذ أننا لا نكاد نعرف ما هي الحقوق و القانون الطبيعي وما هي الحقوق والقانون الوضعي، فالفرد في الحقيقة لا يستطيع الحصول على حق إلا في إطار العيش مع الجماعة التي تضع بنفسها القوانين التي تخضع لها.

كما أن هذه الأفكار نشرتها بالأساس الفئة البرجوازية التي قادت الحركة الإمبريالية حتى تعزز على مصالحها وتحافظ عليها، وكانت بذلك سببا في إطلاق الحرية الاقتصادية في أبشع صورها وتقييد دور الدولة في هذا المجال مما نتج عنه استغلال فاضح لفئات واسعة من العمال من طرفة الطبقة المالكة لوسائل الانتاج.

الفرع الثالث: نظرية التحديد الذاتي

نشأت هذه النظرية في الفقه الألماني، و يرى أنصارها أن القانون من صنع الدولة باعتبار أن هذه الخيرة هي صاحبة السلطة العليا و السيادة الكاملة، و عليه فمن الصعب القول بأنها تتقيد به وتخضع له خضوعا مطلقا، ولكي يوفقوا بين السيادة وخضوع الدولة للقانون فإنهم يفسون انصياع الدولة للقواعد القانونية بإرادتها الذاتية، بمعنى أن الدولة لا تتقيد بالقانون إلا بإرادتها وهذا لا يتعارض مع سيادتها خاصة وأن القانون من صنعها ويستمد قوته الالزامية من إرادتها.

نقد:

يمكن أن تنتقد هذه النظرية من عدة زوايا فمن جهة نجد أنها في الوقت الذي تحاول تفسير خضوع الدولة للقانون فإنها تمنحها الحق في الخروج عن أحكامه، لأنها تقر بأن القانون من صنع الدولة وبالتالي فلا تخضع له إلا بمشيئتها، ومن جهة أخرى يمكن أن نلاحظ أن فكرة تقييد الدولة لنفسها بنفسها غير منطقية لأن من يمتلك الحرية لا يختار بنفسه تقيدها، وأخيرا القول بأن القانون من صنع الدولة أيضا ليست نظرة صحيحة لأن القانون وجد قبل وجود الدولة

الفرع الرابع: نظرية التضامن الاجتماعي

أسس هذه النظرية الفقيه الفرنسي ليون دوغي و يرى بأنه إذا كان القانون من صنع الدولة فإنه لا يعقل القول بخضوعها له لأن ذلك الخضوع لا يتحقق إلا إذا كان القانون صادر من سلطة أعلى من سلطة الدولة، والسلطة التي تعلو الدولة هي التضامن الاجتماعي الذي منه يكتسب القانون قوته الإلزامية وليس من سلطة الحكام و هذا يعني فصل القانون عن الدولة من حيث المصدر، فالدولة شأنها شأن الأفراد تكون ملزمة به و كذا الحاكمين لا يحق لهم إصدار أوامر و توجيهات للقيام بعمل معين إلا إذا استدعت ذلك مقتضيات التضامن الاجتماعي.

نقد:

إن تأسيس النظرية على فكرة التضامن الاجتماعي تجعل الانتقاد الموجه لها هو نفسه الانتقاد الموجه للنظرية المفسرة لنشأة الدولة، فدوغي يؤسس الدولة على التضامن الاجتماعي ونحن نعرف أن ليس كل الدولة نشأت على هذا الأساس، وكذلك الأمر بالنسبة للقول أن القانون يكتسب قوته الالزامية من التضامن الاجتماعي لأن كثير من الدول تعتمد على السلطة الفعلية التي تطبق فيها القوانين جبرا بالاعتماد على الاكراه المادي، كما أن هذه النظرية اعتمدت على فكرة أخلاقية و لم تبنى على أسس قانونية.

وفي ظل كل هذه الانتقادات الموجهة لجميع هذه النظريات تبقى نظرية التحديد الذاتي هي الأرجح والأقرب للصواب.

المطلب الثاني: ضمانات مبدأ خضوع الدولة للقانون

إذا كان أساس خضوع الدولة للقانون يطرح إشكالا فلسفيا فإن الواقع يبرز إشكالات أكثر أهمية تتعلق بكيفية ترجمت هذا المبدأ في الواقع العملي، وهنا أيضا يقترح الفقهاء مجموعة من الضمانات التي نذكرها فيما يلي:

أولا: وجود دستور مكتوب

من الأهمية بمكان أن تكون هناك وثيقة دستورية مكتوبة تحدد فيها قواعد ممارسة السلطة في الدولة، وتبين الأجهزة التي تمرسها والحدود التي يجب عليها أن تنتهي فيها، و على كل السلطات احترام المبادئ الواردة في هذه الوثيقة و إلا اعتبرت أعمالها غير مشروعة و يبين اختصاص كل سلطة، كما يضع قواعد تضمن حقوق و حريات الأفراد.

ثانيا: تكريس مبدأ الفصل بين السلطات

جاء في المادة 16 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن أن "كل مجتمع لا تكون فيه ضمانات الحقوق مكفولة، والفصل بين السلطات غير مكفول، هو مجتمع بدون دستور"، وعليه فإن مبدأ الفصل بين السلطات هو دعامة أساسية لضمان قيام نظام دستوري تتقيد فيه مختلف أجهزة بالقواعد القانونية، مع ملاحظة أن تقسم السلطات في الدولة يكفل احترام هذه السلطات للقانون على أساس الرقابة التي تقوم بها كل واحدة على الأخرى.

ثالثا: المعارضة السياسية

إن التعددية الحزبية السياسية في الدولة تسمح بوجود معارضة تعمل جاهدة على انتقاد ومعارضة الهيئة الحاكمة و كشف أخطائها من خالص القواعد القانونية و تنبيه الرأي العام ضدها، وبالنظر للوعي السياسي الذي تتمتع به المعارضة وحرصها على كشف أخطاء الحكومة فإن المعارضة السياسية تصبح بدورها دعامة أساسية لمبدأ خضوع الدولة للقانون.

رابعا: الرأي العام (الشعب)

بدوره يلعب الرأي العام دورا جوهريا في دفع أجهزة الدولة للتقيد بالقانون خاصة بالنسبة للدول التي تمتاز شعوبها بوعي سياسي كبير يسمح لها بالاطلاع على الوظائف التي تسند لأجهزة الدولة والتدخل في حال تجاوزها، أما بالنسبة للشعوب ناقصة الوعي فإنه من الواجب أن تتدخل المنظمات والجمعيات التي تنشط في محال الدفاع عن حقوق الإنسان، والنخبة في المجتمع من أساتذة وفقهاء وطلبة ليلعبوا دورهم في تعبئة الرأي العام لحمل السلطة على احترام الدستور والقواعد القانونية الأخرى.

الفصل الرابع: أشكال الدولة

تختلف التركيبة وتكوين السلطة وكذا كيفية ممارستها من دولة إلى أخرى مما يعطي أنماطا عديدة للدول، بحيث يميز الفقه على أساس ذلك بين شكلين من أشكال الدول وهي الدولة الموحدة أو البسيطة  ÙˆØ§Ù„دولة المركبة أو الدولة الاتحادية.

المبحث الأول: الدولة البسيطة

تعني الدولة البسيطة أو الموحدة الدولة التي تكون السيادة فيها موحدة، فتظهر الدولة كوحدة واحدة، وتكون السلطة فيها واحدة، ويكون شعبها وحدة بشرية متجانسة، واقليم موحد.. ولا يؤثر في اعتبار الدولة البسيطة اتساع رقعة اقليمها، أو اتصال وانفصال أراضي اقليمها، كما لا يؤثر في اعتبار الدولة بسيطة أو موحدة شكل نظام الحكم فيها ملكياً كان أو جمهورياً، فالدولة الموحدة قد تكون ملكية كالمغرب و السعودية والأردن، ويمكن أن تكون جمهورية كالجزائر تونس مصر ولبنان، كما نشير إلى أن معظم دول العالم هي دول بسيطة.

ولكن وصف الدولة البسيطة بهذه الطريقة خصوصا وحداوية سلطتها التنفيذية ( مطلب أول) لا عدم وجود نظام إداري تقسم ( مطلب ثاني) فيه المهام بين عدة أجهزة أو تفوض بها الدولة بعض سلطاتها لها بما يسمح بزيادة فعالية الدولة في أداء مهامها.

المطلب الأول: مبدأ وحدة السلطة السياسية للدولة البسيطة

من أبرز الصفات التي تمتاز بها الدولة ذات الشكل المبسط الوحدة السياسية التي تترجمها وحدة السلطة السياسية الحاكمة، والتي تستأثر بممارسة جميع مظاهر السيادة الداخلية  والخارجية، مع وجود مركز واحد لاتخاذ القرار داخل الدولة تمارس في إطاره اختصاصاتها عادة بواسطة ثلاثة سلطات تشريعية، تنفيذية وقضائية، تحدد مهام كل منها بقواعد قانونية تتضمنها الوثيقة الدستورية.

أما بخصوص حكومتها فقد تكون فردية كالنظام الملكي أو الديكتاتوري وقد تكون حكومتها ديمقراطية، لكن يجب أن نلاحظ أن الوحدة السياسية لا تعني في أي حال من الأحوال وحدة التشريع فيها على أساس أن السلطة التشريعية الواحدة قد تستثني بعض الأقاليم من الخضوع لبعض التشريعات لأسباب اقتصادية أو ثقافية أو دينية وغيرها، بل ويمكن حتى أن تتخذ لبعض المناطق جهة تشريعية خاصة في بعض الأحيان بالموازاة مع وجود تنظيم إداري خاص لبعض الأقاليم، تفرضه طبيعة الجغرافية السائدة أو التنوع الاثني والثقافي أو فقط لغرض ضمان تسيير إداري فعّال.

المطلب الثاني: التنظيم الإداري للدولة الموحدة

إذا كانت بعض الدول البسيطة تستطيع أن تضمن تسير شؤون مواطنيها بالتسيير المركزي (فرع أول) فإن بعضها الأخر تختار أن تنشئ وحدات إدارية غير ممركزة (فرع ثاني)، وأحيانا يفرض عليها شساعة إقليمها لخلق وحدات إدارة لامركزية (فرع ثالث) أو حتى منح امكانية التسيير الذاتي المستقل.

الفرع الأول: المركزية الإدارية

المركزية Ù‡ÙŠ أسلوب إداري يؤدي إلى تجميع السلطات لدى الهيئة المركزية المتكونة من الرئيس أو الملك ووزرائه، ويعتبر صغر الحيز الجغرافي لبعض الدول حافزا يساعدها على أن تختار نظام المركزية الإدارية في التسيير، وهو نفس الخيار الذي تتبناه أيضا عديد من الدول ذات النهج الاشتراكي الذي ينبني على مبدأ التخطيط المركزي، وفي هذه الحالة فإن الدولة تكون فيها هيئة مركزية واحدة تقوم بواسطتها بتسيير جميع شؤونها.

الفرع الثاني: عدم التركيز الاداري

إن عدم التركيز يعني أن تقوم السلطة المركزية للدولة بإنشاء هياكل لها أو أنها بالأحرى تقوم بتعيين ممثلين لها على مستوى الأقاليم أو المناطق أو البلديات من أجل القيام ببعض المهام المسندة إليهم، باسم السلطة المركزية ولحسابها وبالتالي فهم لا يتمتعون بالاستقلالية في التسيير، ويمكن أن نضرب مثال على ذلك في الجزائر منصب الوالي ورئيس الدائرة والمديريات الممثلة للوزارات على المستوى المحلي.

الفرع الثالث: اللامركزية الإدارية

بالنسبة لنظام اللامركزية الإدارية فهو يقوم بتوزيع الاختصاصات الإدارية بين السلطة المركزية والهيئات المحلية اللامركزية المستقلة، التي تكتسب شخصية قانونية خاصة بها مستقلة عن شخصية الدولة، وتقوم هذه الهيئات اللامركزية بالوظائف المسندة إليها وفقا للقانون دون الرجوع إلى السلطة المركزية، ولكن هذه الهيئات حتى وإن كانت تتمتع بالاستقلالية الإدارية والشخصية المعنوية والتسيير الذاتي وبذمة مالية خاصة بها، فذلك لا يعني انتفاء قيود الرقابة عليها فمن ناحية التنظيم الهيكلي نجد أنها محددة من القمة بواسطة قوانين كقانون البلدية والولاية مثلا في التنظيم الإداري الجزائري، أما من الناحية الوظيفية فهي تخضع لسلطة الدولة التي تمارس عليها رقابة أو وصاية إدارية، مما يجعل هذه الهيئات دائما تحت وصاية الدولة.

الفرع الرابع: نظام الأقاليم

يقترب كثيرا هذا النظام بالشكل الثاني للدول والمتمثل في الدولة المركبة على أساس هامش الحرية الواسع الذي يمنح لبعض الأقاليم في التسيير، إلى درجة أنه في بعض الحالات تكون بعض المناطق التي هي جزء من دولة بسيطة يكون لها سلطة تشريعية خاصة بها وكيان تنفيذي خاص أيضا على غرار إقليم كردستان في العراق وفي إسبانيا، بينما في أحيان أخرى تمنح صلاحية التسيير الذاتي لكن في إطار سلطة تنفيذية وتشريعية واحدة وفي أحين أخرى يتم التمييز فقط في النظام القانوني الذي يخضع له بعض الأفراد نظرا لانتمائهم الديني أو الثقافي.

 

 

المبحث الثاني: الدولة المركبة 

        على عكس الدولة البسيطة فإن الدولة المركبة هي اتحاد مجموعة من الدول لأسباب معينة أو لتحقيق الأهداف المسطرة على غرار الاتحاد الشخصي والتعاهدي وهي اتحادات هشة (مطلب أول)ØŒ ولكن الأهم أن الاتحاد قد يؤدي إلى ميلاد دولة جديدة على غرار الاتحاد الحقيقي والمركزي وهي اتحادات قوية (مطلب ثاني).

المطلب الأول: الاتحادات الهشة

تتمثل الاتحادات الهشة في كل من الاتحاد الشخصي والاتحاد التعاهدي أو الكونفدرالي، وهي توصف بالهشاشة لأن الدول التي تنضوي تحتها ليست متماسكة فيما بينها كفاية بما يجعل اتحادها يدوم فترة طويلة.

الفرع الأول: الاتحاد الشخصي

يعد الاتحاد الشخصي اضعف صور الاتحاد بين الدول لان مظهره يتجلى في وحدة الرئيس أو الملك لدولتين أو أكثر، و ينشأ عادة نتيجة علاقة الزوجية بين ملك وملكة كاتحاد بولندا ولتوانيا الذي قام عام 1385م على اثر زواج ملك ليتوانيا من ملكة بولندا، والاتحاد الذي قام بين إنجلترا وهانوفر عام 1714، أو أيلولة العرش في دولتين أو أكثر لشخص واحد أو بسبب المكانة التي يحتلها الشخص الرئيس لدى شعوب مجموعة من الدول فيعطى له منصب الرئيس شرفيا، وعليه فلا يترتب على الاتحاد الشخصي ظهور شخص دولي جديد لأن كل دولة تحتفظ بشخصيتها الدولية كاملة، كما أنه لا يؤثر في سيادتها الداخلية لأن كل دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الشخصي تحتفظ بسيادتها الخارجية وسيادتها الداخلية، وبشكل عام فإن الاتحاد الشخصي الذي يحدث بين دولتين أو أكثر تترتب عليه النتائج التالية:

·        تكون كل دولة مستقلة في مجال التمثيل الدبلوماسي Ùˆ إقامة العلاقات مع الدول الأخرى بما في ذلك إبرام المعاهدات مع أعضاء الاتحاد أو مع الدول غير الأعضاء ولا تسري آثار أي معاهدة إلا في مواجهة الدولة التي أبرمتها.

·        الحرب التي تقوم بين الدول الأعضاء في الاتحاد تكون حربا دولية وليست حربا أهلية، والحرب التي تعلن من دولة أجنبية ضد إحدى دول الاتحاد لا تعد حربا ضد دول الاتحاد ككل.

·         ØªØªØ­Ù…Ù„ كل دولة في الاتحاد نتائج تصرفاتها والتزاماتها الدولية. 

·         Ù„ا يكون للاتحاد الشخصي إقليم واحد ( اتحادي ) بل تحتفظ كل دولة عضوا في الاتحاد بسيادتها على إقليمها وتمارس مظاهر هذه السيادة دون تدخل من باقي دول الأعضاء في الاتحاد.

·         Ù„كل دولة رعاياها وتستقل كل واحدة منها بجنسيتها ويعتبر رعايا كل دولة من دول الاتحاد أجانب في نظر الدول الأخرى الأعضاء فيها.

·         ØªØ­ØªÙØ¸ كل دولة بسيادتها الداخلية كاملة وبنظامها السياسي بحيث يكون لها نظاما دستوريا وقانونيا خاص بها بمعنى أن لكل دولة سلطة تشريعية وتنفيذيو وقضائية خاصة بها.

الفرع الثاني: الاتحاد الاستقلالي ( التعاهدي  Ø£Ùˆ الكونفيدرالي)

        بدوره يعتبر الاتحاد الاستقلالي من الأنواع الهشة للاتحاد التي تتم بين الدول، وهو عبارة عن دولتين أو أكثر تتفق فيما بينها في إطار معاهدة أو اتفاقية على إنشاء كيان ترعى من خلاله أهداف ومصالح مشتركة يتم تحديدها في الاتفاق بشكل صريح، ويقوم الاتحاد التعاهدي على مبدأ المساواة بين الدول الأعضاء فيه التي تشكل بينها مجلسا أو مؤتمرا أو لجنة للاتحاد تقوم برسم السياسة العامة المشتركة في المجال المحدد، ويعتبر الاتحاد التعاهدي الذي حدث بين ثلاثة مقاطعات سويسرية (أوري، شويز، وأونتيروالدين) في عام 1291 من أقدم الاتحادات كما يمكن أن نشير للاتحاد الأمريكي لعام 1776 الذي تحول إلى اتحاد مركزي، أما عن النتائج المترتبة عليه فهي تتمثل فيما يلي:

·        تحتفظ كل دولة في الاتحاد بشخصيتها الدولية.

·        تستقل كل دولة عضو بعلاقاتها مع الدول الأخرى Ùˆ تمثيلها الدبلوماسي مع غيرها.

·        لا تسري المعاهدات Ùˆ الاتفاقيات إلا بالنسبة للدولة التي أبرمتها.

·        الحرب بين الدول الأعضاء تكون حربا دولية Ùˆ الحرب ضد أي دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد لا تكون حربا على الدول الأخرى.

·        كل دولة تكون مسؤولة دوليا عن تصرفاتها ويكون لها إقليم خاص تمارس عليه كل مظاهر السيادة.

·        تحتفظ كل دولة بنظامها السياسي والدستوري ولها أن تعدله أو تغيره دون تدخل من الاتحاد أو دوله.

·        لكل دولة جنسيتها وعليه يعتبر مواطنو كل دولة أجانب بالنسبة للدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد.

المطلب الثاني: الاتحادات القوية

خلافا للأشكال السابقة التي يعتبرها الفقه اتحادات هشة فإن هناك اتحادين متماسكين هما الاتحاد الفعلي والاتحاد المركزي، وكلاهما يؤدي إلى ظهور دولة جديدة هي الدولة الاتحادية وانصهار الدول المتحدة فيه فيما يخص العلاقات الخارجية.

الفرع الأول: الاتحاد الفعلي ( الحقيقي )

الاتحاد الفعلي هو اتحاد دولتين أو أكثر يترتب عليه ظهور شخص دولي جديد يمثلها من الناحية الخارجية، لكن تبقى كل دولة محتفظة بنظامها السياسي الداخلي ومستقلة في دستورها وتشريعاتها، وهذا يعني أن مثل هذا الاتحاد يؤدي إلى فقدان الدول الأعضاء لشخصيتها الدولية واحتفاظها بالشخصية الداخلية، والشيء الأهم أنها تبقى من الناحية الداخلية مستقلة استقلالا تاما، وهذا ما تجسد في الاتحاد الذي يم بين النرويج والسويد 1815 واتحاد النمسا والمجر 1867، أما النتائج المترتبة عليه فهي:

·        ظهور شخص دولي جديد يمارس جميع المهام الخارجية كالتمثيل الدبلوماسي Ùˆ إبرام المعاهدات.

·        إذا قامت حرب بين دول الاتحاد تعتبر حربا أهلية، إذا قامت بين إحدى دوله ودولة أجنبية تعد حربا ضد الاتحاد كله.

·        يشكل إقليم الدول الأعضاء في الاتحاد إقليما لدولة متحدة (إقليم اتحادي).

·        يمتع أفراد الدول المشكلة للاتحاد بجنسية واحدة.

·        يكون لكل دولة دستورها ونظاما قانونيا وسياسيا خاصا بها.

الفرع الثاني: الاتحاد الفيدرالي (المركزي)

لا شك أن الاتحاد الفيدرالي أصبح اليوم أقوى نموذج من بين كل أنواع الاتحادات، Ùˆ هذا راجع بالأساس إلى وجود روابط مشتركة قوية بين شعوب الدول أو الأقاليم التي تقبل التنازل عن سيادتها الخارجية وجزء من سيادتها الداخلية تدعيما لهذه الروابط واعترافا بها، وإذا كان الاتحاد الفيدرالي هو عبارة عن اتحاد بين دولتين أو أكثر يترتب عليه فقدان الدول الأعضاء للشخصية الدولية وظهور شخص دولي جديد هو دولة الاتحاد، فإن الفكرة الجوهرية له قائمة على أساس استئثار الدولة الاتحادية على كل الاختصاصات الخارجية، ومشاركتها للدويلات – الدول المكونة لها - في مجال تسيير الشؤون الداخلية، وهذا على عكس الاتحاد الفعلي الذي لا تمنح فيه للدولة الاتحادية إلا اختصاصات في المجال الخارجي دون المجال الداخلي، هذا وينفرد الاتحاد الفدرالي من حيث طرق نشأته وكذلك في خصائصه.

أولا: طرق نشأة ونهاية الاتحاد الفدرالي

ينشأ الاتحاد الفيدرالي إما عن طريق أسلوب التفكك وذلك بتفتت دولة موحدة أو بسيطة إلى عدة دويلات وتكوّن في الأخير اتحاداً مركزياً، أو عن طريق أسلوب الاندماج وذلك باتحاد دولتين أو أكثر فتفتقد هذه الدول شخصيتها الدولية ويظهر شخص دولي جديد.

أم بالنسبة لنهايتها فتكون بإحدى الطرق المعروفة في القانون الدولي العام وذلك بزوال أي ركن من أركان الدولة الثلاث؛ الإقليم، الشعب أو السلطة السياسية، كما تزول الدولة الفدرالية بتحولها إلى دولة بسيطة أو بتفككها إلى عدة دول.

ثانيا: خصائص الدولة الفيدرالية

تتميز الدولة الفيدرالية بجملة من الخصائص التي يسميها البعض أيضا بالمبادئ التي تقوم عليها الدولة الفيدرالية، وهي ضرورة وجود دستور مكتوب، توزيع الاختصاصات وأخير ضرورة وجود قضاء فيدرالي.

1. ضرورة وجود دستور مكتوب

معلوم أن الاتحاد الفيدرالي الأول الذي ظهر إلى الوجود هو الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1787، وكان إعلان ميلاد الاتحاد الفيدرالي الأمريكي عن طريق الدستور الأول والأخير لهذه الدولة، وإذا كانت ظاهرة الدساتير المكتوبة غير معروفة في ذلك الوقت، فإن طبيعة شكل الدولة الذي تزدوج فيه السلطة السياسية يملي على مؤسسيها ضرورة وضع وثيقة تأسيسية تبين اختصاصات السلطة السياسية المركزية واختصاصات السلطات اللامركزية، ومنه أصبح الدستور المكتوب خاصية لصيقة بالدول التي تتبنى النظام الفيدرالي الذي تحدد فيه الاختصاصات، ويتم من خلاله إزالة كل إشكال قد ينتج عن تداخل الصلاحيات.

2. توزيع الاختصاصات بين السلطات الاتحادية وسلطات الدويلات

كما سبق وأشرنا فإن تحديد الاختصاصات فيما بين الدولة المركزية والدويلات يتم عن طريق الدستور الفيدرالي، وهذا الأخير إما أن يتم النص فيه على اختصاصات الهيئات الاتحادية على سبيل الحصر ويترك ما تبقى للدويلات، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا، ويكون ذلك عادة في الحالات التي فيها الروابط والمصالح المشتركة بين شعوب الاتحاد ليست قوية بدرجة كبيرة مما يدفعها إلى عدم تقوية السلطة الاتحادية وحصر اختصاصاتها في حدود واضحة وتترك الاختصاصات الأخرى لهيئات الدويلات الأعضاء في الاتحاد وهو ما يجعل هذه الأخيرة في مركز أقوى عند مواجهتها للسلطة الاتحادية، ويؤدي إتباع هذه الطريقة إلى غلبة مظاهر الاستقلال على مظاهر الوحدة بين الدويلات الأعضاء في الاتحاد.

وإما تحدد اختصاصات الدويلات على سبيل الحصر ووكل الاختصاصات الأخرى تبقى للدولة الفيدرالية، ويتم اللجوء إلى هذه الطريقة لكون الروابط والمصالح المشتركة قوية جدا بحيث يمنح الدستور الاتحادي اختصاصات واسعة للهيئات الاتحادية وينص على اختصاصات محددة لهيئات الدول الأعضاء في الاتحاد على سبيل الحصر ويترك ما عدا ذلك لاختصاص الهيئة الاتحادية وقد اتبع هذا الأسلوب من طرف كندا و الهند.

وأخيرا أن يتم تحديد كل من السلطات الفيدرالية وحكومات الولايات على سبل الحصر، وقد عيّب على هذه الطريقة أنها تضع قيود عديدة على حركة التطور داخل الاتحاد كما أنها تثير من الناحية العملية الكثير من المنازعات بسبب عدم تحديد صاحب الاختصاص.

أما من الناحية العملية فإن ازدواجية السلطات يولد طابعا خاصا في كيفية تقاسم الوظائف الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية بين كل من الهيئة المركزية لاتي لها برلمان ورئيس وقضاء خاص، والهيئات اللامركزية أي الدويلات وكل واحدة منها لها أيضا سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية، وعلى ذلك تمارس الوظائف على النحو الآتي:

أ. الوظيفة التشريعية

كمبدأ عام يختص البرلمان الاتحادي بالتشريع في كل الشؤون المتعلقة بالاتحاد ككل أما برلمانات الدويلات فإن كل واحدة منها تختص بالتشريع في المسائل التي تعنيها، وعليه فإن المواطن في الدولة الاتحادية يخضع لنوعين من التشريعات بعضها صادر من البرلمان الاتحادي والبعض الأخر يصدر من برلمان الدويلة التي ينتمي إليها، ويتكون البرلمان الاتحادي عادة من مجلسين: الأول يمثل الدويلات بالتساوي والثاني يمثل الشعب فيختلف ممثلي كل دويلة باختلاف كثافتها السكانية.

ب. الوظيفة التنفيذية

نفس الأمر بالنسبة للوظيفة التنفيذية التي تمارسها حكومتين أحدها اتحادية والثانية لامركزية، ويوزع الاختصاص بينها طبقا لنصوص الدستور الاتحادي، وتلجأ الدساتير الاتحادية عادة إلى ثلاثة أساليب لضمان تنفيذ قوانين الاتحاد وذلك خلافا لحكومات الدويلات التي يتم تنفيذ القوانين الصادرة فيها عن طريق أجهزتها التنفيذية وتتمثل هذه الأساليب في:

 

- أسلوب الإدارة المباشرة

وذلك بأن تتولى الحكومة الاتحادية إنشاء إدارات وتعيين موظفين تابعين لها يكلفون بتنفيذ القوانين الاتحادية وقرارات حكومتها في أنحاء الاتحاد دون الاستعانة بموظفي الدويلات، ويمّكن هذا الأسلوب الحكومة الاتحادية من مراقبة تنفيذ قوانينها وقراراتها لكنه يكلفها أعباء مالية اضافية.

- أسلوب الإدارة غير المباشرة

في هذا الأسلوب لا تقوم الدولة الاتحادية بمهمة تنفيذ القوانين بنفسها بل تعهد ذلك إلى موظفي الدويلات، ويتميز هذا الأسلوب بكونه يؤدي إلى الاقتصاد وتوفير الكثير من النفقات وهو الأسلوب المنصوص عليه في الدستور الاتحادي الألماني.

- الأسلوب المختلط

الأسلوب المختلط يجمع بين الأسلوبين السابقين، بحيث يوزع مهام تنفيذ القوانين الاتحادية بين الموظفين الاتحاديين وموظفي الدويلات وأخذ بهذا الأسلوب الدستور النمساوي.

ج- الوظيفة القضائية

يوجد في الدولة الفدرالية نوعان أيضا من القضاء الأول هو القضاء الفدرالي ويتمثل في المحكمة الفيدرالية، والثاني موجود على مستوى كل دويلة للبت في النزاعات التي تثور بين أفرادها وهيئاتها تطبيقا للقوانين الصادرة من برلماناتها.

3. ضرورة وجود قضاء فدرالي

ضرورة وجود قضاء فيدرالي تمليه طبيعة الدولة الفيدرالية التي تتشكل من مجموعة من الدول مما يجعلها تدخل أحيانا في علاقات تنازعية فيما بينها أو قد تثور نزاعات فيما بينها وبين الدولة المركزية، خاصة في مسألة الاختصاصات التي تعد نقطة شائكة، ومنه فإن مثل هذه النزاعات لا تنظر أما قضاء الدويلات وإنما أمام محكمة فيدرالية، غالبا ما لا يتجاوز عدد أعضائها 10 قضاة، يختصون بالإضافة إلى ما سبق في مراقبة مدى دستورية التشريعات الداخلية للدويلات.

 

الباب الثاني: النظرية العامة للدساتير

ينصب المحور الثاني لدراسة القانون الدستوري على النظرية العامة للدساتير التي لا تعتبر غريبة عن الدولة، بما أن وجود دستور سواء كان مكتوبا أو عرفي تحدد على أساسه طريقة ممارسة السلطة أصبح أمرا بديهيا في ظل الدولة الحديثة، ولدراسة النظرية العامة للدساتير من الأهمية بمكان التطرق إلى مفهوم الدستور وأنواعه (فصل أول) وإلى تطور الدساتير بشكل عام (فصل ثاني) وفي الجزائر بشكل خاص (فصل ثالث)، وأخيرا إلى مسألة الرقابة على دستورية القوانين (فصل رابع) وكيف تتجسد الرقابة في الجزائر (فصل خامس).

الفصل الأول: مفهوم الدستور وأنواعه

إن القانون الدستوري هو فرع من فروع القانون العام، الذي يدرس مضمون الوثيقة الدستورية أي مضمون الدستور، وعلى هدا الأساس سنتولى دراسة بعض العناصر المتعلقة بالدستور من حيث تعريفه، تحديد مصادره وبيان أنواعه.

المبحث الأول: تعريف الدستور

سنحاول أن نبرز من خلال هذا المبحث التعريف اللغوي للدستور(مطلب أول) وكذا تعريفه القانوني (مطلب ثاني).

المطلب الأول: التعريف اللغوي

لغويا تعتبر مصطلح الدستور كلمة دخيلة على اللغة العربية، إذ أن أصلها فارسي وهي تعني حسب البعض الدفتر الذي كان يمسكه مستشار كسرى ملك الفرس والذي كان يكتب فيه أمور تسير شؤون الحكم،  ÙˆÙŠØ¹Ù†ÙŠ المستشار ذاته حسب البعض الأخر، أما في اللغة الفرنسية فيستعمل لفظ (Constitution)ØŒ ويقصد بها الأساس أو التنظيم أو التكوين أو القانون الأساسي.

المطلب الثاني: التعريف القانوني

بالنسبة للتعريف القانوني للدستور يمكن أن نميز فيه بين مفهومان مختلفان أحدهما يستند على المعيار الشكلي لتعريف الدستور (فرع أول)، والأخر لا يهتم بالشكر وإنما ينظر إلى جوهر القاعدة الدستورية وموضوعها (فرع ثاني).

الفرع الأول: المفهوم الشكلي للدستور

بحسب المعيار الشكلي فإن الدستور هو مجموعة من القواعد القانونية التي تتضمنها الوثيقة الدستورية، سواء كانت مكتوبة في وثيقة واحدة أو عدة وثائق، ويفهم من هذا التعريف أنه يحصر مفهوم الدستور فيما هو وارد من أحكام في الوثيقة الدستورية التي تضعها هيئة خاصة وتتبع في وضعها وتعديلها إجراءات معقدة تختلف عن الإجراءات المتبعة في القانون العادي.

ولكن يلاحظ أن هذا التعريف يتجاهل تماما الدساتير العرفية التي تعتمدها بعض الدول، فبريطانيا مثلا ليس لها وثيقة دستورية فهل هذا يعني أن ليس هناك قواعد قانونية تنظم كيفية تسيير شؤون الحكم، ومن جهة أخرى فإن هذا التعريف يتجاهل الأعراف الدستورية الموجودة حتى في الدول التي لها دستور مكتوب ويتجاهل أيضا القواعد الدستورية التي تتضمنها القوانين العضوية وغيرها.

الفرع الثاني: المفهوم الموضوعي للدستور

بحسب المعيار الموضوعي فإن الدستور هو مجموعة القواعد القانونية التي تبين شكل الدولة ونظام الحكم، وتبين السلطات في الدولة واختصاصاتها وتنظيمها وطبيعة العلاقة التي تثور بينها، وتبين حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية، وهذا بغض النظر عمّا إذا كانت مدرجة في الوثيقة الدستورية أو في وثيقة قانونية أخرى أو غير مدونة أصلا، وهذا التعريف يجعل لكل دولة دستور سواء كان مدونا أو عرفيا، بحيث لا يشترط أن يكون للدولة دستورا مكتوبا في وثيقة واحدة، بل يمكن أن توجد قواعد دستورية خارج هذه الوثيقة سواء كانت عرفية أو في القوانين العادية أو الأحكام القضائية.

المبحث الثاني: مصادر القاعدة الدستورية

كغيرها من القواعد القانونية تستمد القاعدة الدستورية فحواها ومضمون خطابها من عدة مصادر تضفي عليها صفتها الإلزامية، نذكرها فيما يلي.

المطلب الأول: التشريع

يعتبر التشريع مصدرا أساسيا للقواعد القانونية بما في ذلك القاعدة الدستورية، خاصة بعد أن اتسع نطاق تدخل الدولة وهذا بجانب تعقيد نشاطها وزيادة أعبائها، والمقصود بالتشريع هو مجموعة القواعد القانونية الموضوعة من طرف السلطة التشريعية بغرض تنظيم المجتمع، وهو على أنواع لكن ما يهمنا هنا أكير هو التشريع الأساسي والتشريع العضوي باعتبارهما مصدرين للقاعدة الدستورية.

الفرع الأول: التشريع الأساسي

يقصد بالتشريع الأساسي مجموعة النصوص القانونية المدونة والصادرة عن هيئة خاصة ووفقا لإجراءات معينة وعادة ما تسمى بالسلطة التأسيسية، ويتضمن مبادئ وقواعد تتعلق بتنظيم السلطات وبالحقوق والحريات الأساسية للأفراد وكذا بالثوابت الأساسية للمجتمع.

الفرع الثاني: التشريع العضوي

إن التشريع العضوي يأتي كمكمل للتشريع الأساسي أو كمفصل أو كمفسر له، وعليه فإن التشريع العضوي بدوره يحتوي على مواضيع متعلقة بالنظام الدستوري لكن منصوص عليها في قوانين صادرة من البرلمان، فمن طبيعة الدساتير المدونة أنها لا تحيط بكل التفاصيل المتعلقة بتنظيم السلطة بل تكتفي فقط بمبادئها العامة وخطوطها العريضة، لتضمن استقرارها وجمودها وكذا خاصية السمو التي لا تتقبل التعديلات المتكررة، وعلى أساس ذلك تُترك مجالات للسلطة التشريعية لسن  بعض القوانين المتعلقة بنظام الحكم Ùˆ بتشكيل السلطات العامة في الدولة واختصاصاتها،  ÙˆÙ‡Ø°Ø§ ما ذهب إليه المؤسس الدستوري الجزائري في المادة 123 التي تنص على أن: "... يشرع البرلمان بقوانين عضوية في المجالات التالية:

- تنظيم السلطات العمومية وعملها

- نظام الانتخابات

- القانون المتعلق بالأحزاب السياسية

- القانون الأساسي للقضاء والتنظيم القضائي

- القانون المتعلق بالأمن الوطني."

المطلب الثاني: العرف الدستوري

يعتبر العرف الدستوري أقدم المصادر للقواعد الدستورية، وهو يلعب ودورا مكملا بالنسبة للدول ذات الدساتير المدونة لكنه  ÙŠÙƒØªØ³Ø¨ دورا أساسيا في الدول ذات الدساتير غير المكتوبة، التي تنظم السلطات في غالبها من خلال أعراف دستورية تواترت وتعارف الناس عليها وتقبلوها، وتماشيا مع هذا المعنى فالعرف الدستوري شأنه شأن الأعراف الأخرى يقوم على ركنين أساسيين هما الركن المادي (فرع أول) والركن المعنوي (فرع ثاني).

الفرع الأول: الركن المادي

 ÙŠØªÙ…ثل الركن المادي في تكرار سلوك أو تصرف صادر من إحدى الهيئات الحاكمة في الدولة لفترة زمنية معينة وأن يكون مقبولا من الهيئات الأخرى، وعليه فلكي تتكون القاعدة الدستورية من سلوك متكرر يجب توافر الشروط التالية:

  • صدور التصرفات من هيئات الحكم المخولة بذلك كالبرلمان أو رئيس الهيئة التنفيذية وغيرها، قيام الملك في بريطانيا بتعيين رئيس الوزراء من الحزب الفائز بالأغلبية في مجلس العموم.
  • أن يكون التصرف مقبولا لدى الهيئة الأخرى التي يمسها التصرف، في المثال السابق قبول البرلمان بذلك.
  • تكرار هذا السلوك لفترة زمنية مقبولة إلى غاية ثباته واستقراره.

الفرع الثاني: الركن المعنوي

 Ù‡Ùˆ الشعور Ùˆ الاعتقاد بإلزامية القاعدة الدستورية Ùˆ أنها واجبة الإتباع باعتبارها قاعدة قانونية لها ما لسائر القواعد القانونية الأخرى من الاحترام.

وتنبغي الإشارة إلى أن العرف الدستوري قد ينشئ قاعدة أصلية جديدة وقد يكون مفسرا أو معدلا أو مكملا، فيكون عرفا مفسرا؛ إذا جاء شارحا لنص قاعدة دستورية يكتنفها الغموض والإبهام فيبين كيفية تطبيقها، أما العرف المكمل؛ فينصرف إلى تنظيم موضوعات لم ينظمها المؤسس الدستوري، بحيث إذا أغفلت الوثيقة الدستورية معالجة موضوع ما أنشأت القاعدة الدستورية العرفية لتكمل هذا النقص، وأخيرا العرف المعدل؛ الذي يؤدي إلى إحداث تغيير في أحكام الدستور سواء بالإضافة أو الحذف كمنح لهيئة حاكمة صلاحيات جديدة لم تقررها الوثيقة الدستورية.

المطلب الثالث: القضاء

القضاء هو مجموعة من الأحكام و القرارات الصادرة عن الجهات القضائية المختلفة بشان تطبيق القواعد القانونية على ما يعرض عليها من منازعات، وإذا اعتبرنا القضاء كمصدر من مصادر القاعدة الدستورية، يجب أن نميز بين الدول ذات الدساتير المكتوبة و الدول ذات الدساتير العرفية، أين يعتبر القضاء كمصدر رسمي نظرا لما ينشئه من سوابق قضائية بشان النزاعات المعروضة أمامه، أما في الدول ذات الدساتير المكتوبة فانه يعتبر مصدر ضعيف في المجال الدستوري.

المطلب الرابع: الفقه

 ÙŠÙ‚صد بالفقه البحوث Ùˆ الدراسات التي قام بها فقهاء القانون من خلال دراستهم لمضامين مختلف الوثائق الدستورية وتبيان محاسنها Ùˆ الوقوف على عيوبها، والفقه لا يعتبر مصدرا رسميا للدستور Ùˆ إنما يمكن اعتباره كمصدر تفسيري يُستأنس به في تفسير الوثيقة الدستورية أو قد تأخذ انتقاداته واقتراحاته في مختلف التغييرات التي قد تطرأ على الوثيقة الدستورية.

المبحث الثالث: أنواع الدساتير

ينقسم الدساتير إلى أنواع عديدة بالاستناد إلى معايير مختلفة؛ إذ تقسم بحسب الشكل إلى دساتير مدونة وأخرى عرفية، وبحسب طريقة تعديلها إلى دساتير مرنة وأخرى جامدة، وأخيرا بحسب طبيعة محتوياتها إلى دساتير قانون ودساتير برنامج.

الفرع الأول: أنواع الدساتير بحسب الشكل

لقد كانت هناك قواعد تحكم تقنيات تسير شؤون الحكم منذ الأزل ولكن تدوينها في وثيقة دستورية لم يتم إلا قبل حوالي قرنين، بل وإن دول عديدة لا تزال إلى يومنا هذا لا تمتلك دساتير مكتوبة، وعلى أساس هذا الاختلاف أصبح الفقه يميز بين الدساتير المكتوبة والدساتير العرفية.

أولا: الدساتير المدونة

تعتبر الدساتير المدونة خاصية بارزة تتميز بها الدولة المعاصرة بحيث أنها انتقلت في البداية من الولايات المتحدة الأمريكية ثم إلى فرنسا لتشمل بعد ذلك كافة دول العالم تقريبا، ويقصد بالدستور المكتوب ذلك الذي تدون غالبية أحكامه في وثيقة تبين من خلاله طرق تسيير شؤون الحكم وحقوق مواطني الدولة وثوابت مجتمعها.

أما السبب في لجوء الدول كتابة دساتيرها فيتمثل في كون الكتابة تعتبر الأداة الرئيسية لإنجاز الوثيقة الدستورية و تجميع القواعد الدستورية في وثيقة واحدة، كما أنها تساهم في إبراز الإرادة العليا في المجتمع وتسهل الاطلاع عليها والعمل بمقتضياتها وتمكن من تمديد العمل بها إلى مئات السنين، كما ساهمت فكرة كتابة الدساتير في نصوص واضحة في تمكين كل مواطن من معرفة الواجبات التي يلتزم بها تجاه الدولة التي ينتمي إليها، والحقوق التي احتفظ بها لكونها لصيقة بشخصيته و بطبيعته البشرية، إضافة إلى حاجة الدولة الحديثة الاستقلال لتنظيم شؤونها و بناء حكم يسوده الاستقرار و تجنب الفوضى.

 ÙƒÙ…ا أن هناك من الدول التي لا يمكن أن تضمن بقاءها Ùˆ وحدتها إلا بوضع دستور مكتوب كما هو الشأن للدولة المركزية أو الفيدرالية لان ضرورة بقاءها يقتضي بيان اختصاصات الهيئات المحلية واختصاصات السلطة المركزية.

ثانيا: الدساتير العرفية

إن الدساتير العرفية هي مجموعة من الأحكام التي تنشأ تلقائيا من خلال ممارسة سلطات الدولة لمهامها، والتي تكونت عن طريق رسوخ الممارسات السياسية فيها لمدة زمنية فاكتسبت مع مرور الوقت القوة الدستورية الملزمة، وذلك نتيجة لاستمرار سير السلطات العمومية عليها وفقا لما تتضمنه من قواعد أثناء مباشرتها لوظائفها، وذلك دون تدوينها في وثيقة الدستور كما هو الحال بالنسبة للدول ذات الدساتير المكتوبة، بل تبقى هذه المبادئ عبارة عن أعراف راسخة وثابتة وملزمة بنفس درجة إلزام القواعد المكتوبة.

والحقيقة أن القول بأن الدستور العرفي يتكون من مجموعة من الأعراف الدستورية ذلك لا يعني انعدام قواعد دستورية مكتوبة، بل إن الدول ذات الدساتير العرفية تمتلك بعض القواعد المدونة هنا وهناك، ولكنها لا تمتلك وثيقة دستورية تجمع كافة الأحكام المتعلقة بتنظيم السلطة.

الفرع الثاني: أنواع الدساتير بحسب التعديل

تختلف الدول في نظرتها للدستور بين من تراه لا يعدو أن يكون قانون مثل غيره من القوانين فيسمى دستورها مرنا، وبين تلك التي ترتب قوانينها في هرم يسمو بعضها على بعض ويكون الدستور أعلاها وبالتالي يسمى دستورها جامدا.

أولا: الدساتير المرنة

يقصد بالدستور المرن ذلك الذي يمكن تعديله وإلغائه بنفس الاجراءات والخطوات التي يتم اتباعها لتعديل القوانين العادية، ومن نفس الجهة المخولة بذلك أي من طرف البرلمان، وعلى أساس ذلك يصبح الدستور المرن في نفس مرتبة القوانين العاديةـ، ومن أمثلة الدساتير المرنة دستور إيطاليا لعام 1848.

ثانيا: الدساتير الجامدة

على العكس من الدستور المرن فإن الدستور الجامد لا يمكن تعديله إلا باتباع إجراءات غير عادية، وأقل ما يقال عنها أنها معقدة على أساس أنها تمر عبر مراحل متعددة كما أنها قد تكون مربوطة بشروط متنوعة، كما أن السلطة المخول لها ذلك هي جهة خاصة وليست نفسها المخول لها تعديل وإلغاء القوانين العادية، وعادة ما يطلق عليها مصطلح السلطة التأسيسية التي تختلف عن السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص في سن القوانين، وهذا كله حتى يتجلى سمو الدستور وليتم حمايته من التعديلات المتكررة التي تفقده مصداقيته.

الفرع الثالث: أنواع الدساتير من حيث طبيعة أحكامها

يميز فقهاء القانون الدستوري أيضا بين الدساتير من حيث طبيعة أحكامها فيقسمها إلى دساتير قانون ودساتير برنامج.

أولا: دستور قانون

تعتبر جل الدساتير اللبرالية دساتير قانون على أساس أنها تحتوي فقط على مجموعة من القواعد والمبادئ التي تنظم السلطات في الدولة، فتحددها وتبين اختصاصات كل واحدة منها والعلاقة التي تربطها مع بعضها، وتبين أيضا الحقوق والحريات الأساسية التي يتمتع بها الأفراد والثوابت الأساسية التي يقوم عليه للمجتمع.

ولأن هذه الدول تعتمد على مبدأ التعددية أو الثنائية الحزبية فإن الحزب الحاكم لا يضمن برنامجه في الدستور، على أساس أن التداول على السلطة لا يضمن استمرار أي حزب فيها بل إن الشعب هو الذي يقرر ذلك.

ثانيا: دستور برنامج

عادة ما يكثر وجود هذا النوع من الدساتير في الدول ذات التوجه الاشتراكي حيث يسيطر فيه الحزب الواحد على كافة مظاهر الحياة في المجتمع، ولأن مثل هذه الدول تعتمد على مبدأ التخطيط المركزي فإن الحزب يجعل من الدستور آلية يعرض فيه برنامجه الذي يشمل كافة الميادين وليس فقط تنظيم السلطة وتحديد حقوق وحريات الأفراد.

وزيادة على ذلك نجده يتناول الحزب من حيث تنظيمه وأجهزته والنظام الاشتراكي ومبادئه كما قد يتناول المؤسسات الاقتصادية، ومختلف الأجهزة الأساسية التي يضعها الحزب لتحقيق أهدافه، وبالتالي يمكن أن نضع الدستور الجزائري لعام 1976 في خانة دساتير برنامج بالاستناد إلى محتواه.

الفصل الثاني: تطور الدساتير

لقد كانت هناك قواعد تنظم سير الدولة ونظام الحكم فيها وهي القواعد التي أصبحت تدرج اليوم في الدستور، الذي ينشأ بطرق عديدة وله أحكام خاصة به في مسألة التعديل والنهاية أيضا.

المبحث الأول: نشأة الدساتير

هناك أربعة أساليب لنشأة الدساتير هي أسلوب المنحة، العقد، الجمعية التأسيسية والاستفتاء الشعبي سندرج الأول والثاني تحت عنوان الأساليب القديمة والثالث والرابع في الأساليب الحديثة.

المطلب الأول: الأساليب القديمة

تتميز الأساليب القديمة لنشأة الدساتير بكونها ناجمة عن العنف الذي قد يكون في شكل غليان داخل المجتمع ويسمى الدستور في هذه الحالة منحة أو في شكل ثورة ينجر عنها أسلوب العقد.

الفرع الأول: وضع الدستور عن طريق المنحة

يقصد بالمنحة كطريقة لوضع الدستور استقلال الحاكم في وضع هذه الوثيقة دون مشاركة شعبية و يتم عن طريق تنازله عن بعض سلطاته للشعب في صورة عهود أو مواثيق، ويظهر أسلوب المنحة في الأنظمة التسلطية حيث يكون الدستور ناتج عن الارادة المنفردة للأمير أو السلطان أو الملك ولكن عادة تحت ظروف و أحداث داخلية تتمثل في ضغط الشعب على إرادته مما يضطره إلى منح هذه الوثيقة خشية من تهديد سلطاته كلية ومن الأمثلة عن هذه الدساتير، الدستور الفرنسي الصادر في عام 1814، الدستور الياباني 1889، الدستور التونسي 1861.

الفرع الثاني: أسلوب العقد

ينتج مثل هذا النوع من الدساتير نتيجة جهود الشعوب حمل الملوك على الاعتراف بحقها في مشاركتهم في السلطة التأسيسية الأصلية، و تقوم في هذه الحالة إرادة الشعب إلى جانب إرادة الحكام، وينشأ هذا النوع من الدساتير عادة بعد ثورة أو انقلاب أو تأثير الشعوب على ملوكهم، فيخضعون لإرادة الشعب إذعانا بدلا من فقدان سلطاتهم بالكامل، و لقد بدأت هذه الدساتير في الظهور في التوازن بين قوة الملك التي ضعفت و لكنها لم تضمحل و قوة الشعب التي تفاقمت لكنها لم تثبت تماما، و عليه فان الدستور الصادر في صورة عقد يتم و ضعه نتيجة تقابل إرادة كل من الحاكم و المحكوم على أساس الحرية و الاختيار و يعطي لكل الأطراف الحق في أن يناقش شروط الاتفاق، و الذي يوافق و يوقع عليه، و على اثر ذلك تعد هذه الطريقة حلقة هامة في ظهور الوسائل الديمقراطية لوضع الدساتير و من الأمثلة على هذا النوع نذكر الدستور العراقي 1925، الدستور البحريني 1973 والكويتي 1962.

المطلب الثاني: الأساليب الحديثة

لقد درج الفقه على تسمية الجهة المخول لها وضع الدستور حديثا بالسلطة التأسيسية التي قد تكون أصلية أو فرعية، فالسلطة التأسيسية الأصلية هي تلك السلطة السامية التي تختص بوضع الوثيقة الدستورية دون الاستناد إلى نص سابق منشأ لها على اعتبار سموها لا يسمح بوجود نص وضعته سلطة أسمى منها ينظم مجالات تدخلها، فهدفها هو وضع و خلق الدستور، وبصفة عامة هي السلطة التي لا تخضع لأي قيد أو نص دستوري سابق، أكثر من ذلك فهي غير مقيدة باعتبارها صاحبة السيادة في الدولة وتنبع منها كافة السلطات، وهي تسمى أيضا بالسلطة المؤسِّسَة المنشِئة.

أما السلطة التأسيسية الفرعية فهي الجهة التي تتدخل فقط لتعديل الدستور و تسمى أيضا بالسلطة المؤَسَّسَة على أساس أنها منصوص عليها في الدستور الذي وضعته السلطة المؤسِّسَة، و لكونها تختص في إعادة النظر في بعض أحكام الدستور فقط في حدود ما أسندته لها السلطة التأسيسية الأصلية أثناء وضعها للدستور وهي تسمى أيضا بالسلطة المؤسَّسَة المنشَئة.

وإلى هنا فنحن نتحدث عن الجهة المخول لها إعداد الدستور أما إقراره فيكون إما بطريقة الجمعية التأسيسية أو بالاستفتاء الشعبي.

الفرع الأول: أسلوب الجمعية  التأسيسية

نظرا لتعذر وضع الدستور بطريقة مباشرة بسبب الصعوبات العملية التي تحول دون ذلك، فإن الشعب يلجأ إلى انتخاب هيئة تكون مهمتها وضع الدستور وتتجسد هذه الهيئة في شكل جمعية خاصة ذات وكالة محدودة في وضع الدساتير باسم الشعب ونيابة عنه ،بحيث يعد الدستور الذي يصدر عنها كأنه صادر عن الشعب وعلى هذا الأساس فان الدستور يكتمل وجوده ويصبح نافذا بمجرد وضعه بواسطة هذه الجمعية، مادام الشعب قد فوضه ذلك، إذ لا يشـترط بعد ذلك عرض هذه الوثيقة عليه، وقد ظهرت هذه الطريقة لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم انتقلت إلى فرنسا سنة 1848، وألمانيا 1919 والنمسا 1920 واسبانيا 1931.

الفرع الثاني: أسلوب الاستفتاء الشعبي

إن الاستفتاء هو أخذ رأي الشعب في مسألة من المسائل، وقد يكون الاستفتاء الشعبي سياسيا إذا كان موضوعه هو أخذ رأي الشعب حول موضوع سياسي ما، وقد يكون استفتاء شعبيا تأسيسيا إذا كان الغرض منه أخذ رأي الشعب حول الدستور، وأسلوب الاستفتاء الشعبي يجعل الدستور يصدر من الشعب مباشرة، إذ يبدي رأيه فيه ولا يصبح نافذا إلا بعد موافقته عليه، وإذا كان الاستفتاء عامة ينم عن التعبير الديمقراطي الحقيقي ففي الحقيقة يمكن أن نميز بين ثلاثة طرق في الاستفتاء:

أولا: قد يوضع مشروع الوثيقة الدستورية من طرف نخبة حكومية أو برلمانية ثم يعرض على الاستفتاء الشعبي للمصادقة عليه، و هذه الطريقة اقل ديمقراطية من حيث الإعداد و ديمقراطية من حيث الإقرار بحيث يتطلب أن يكون الشعب على درجة عالية من الوعي و الدراية بالشؤون الدستورية حتى يتسنى له رفض مشروع الدستور.

ثانيا: انتخاب جمعية تأسيسية تتكفل بوضع الدستور ثم يعرض هذا المشروع  على الاستفتاء الشعبي Ùˆ يصبح نافذا عند المصادقة عليه من طرف الشعب، Ùˆ ما يمكن ملاحظته هو أن طريقة المصادقة هي طرق ديمقراطية مبدئيا Ùˆ نظريا.

ثالثا: والطريقة الأكثر ديمقراطية هي أن يتم اقتراح الدستور من الطرف عدد معين من الشعب وايداعه لدى الجهة المخولة ثم عرضه على الاستفتاء الشعبي على غرار ما هو موجود في سويسرا.

المبحث الثاني: تعديل الدساتير

 Ù†Ø¸Ø±Ø§ لكون أن القانون معرض للتطور فإن الدستور مهما كان واضحا ودقيقا في نظر واضعيه أثناء تحريره يجب أن يساير التطورات التي تحدث في المجتمع Ùˆ إلا فقد حيويته Ùˆ قيمته ولا يمكن له أن يستجيب للمتطلبات الجديدة للمجتمع إلا عن طريق تعديله إما بأسلوب قانوني أو سياسي.

المطلب الأول: التعديل القانوني

إذا كان و ضع الوثيقة الدستورية عادة من اختصاص السلطة التأسيسية الأصلية فان الاختصاص بتعديلها ينعقد للسلطة التأسيسية الفرعية على أساس أن الدستور ينظمها بنصوص خاصة ويحدد اختصاصاتها بشكل صريح، و عليه فان السلطة التأسيسية الفرعية تفرض وجود دستور نافذ في الدولة ينظمها و يحدد جميع سلطاتها فلا تتدخل هذه السلطة إلا في ظل دستور يمنحها حق الحياة، وهي في تدخلها ملزمة بالشكل الذي جدده الدستور القائم بالإجراءات التي جاء بها، وترتيبا على ذلك تقتضي طبيعة الإجراءات التي يتم إتباعها في تعديل الدستور إلى التمييز بين الدساتير الجامدة والدساتير المرنة.

الفرع الأول: تعديل الدساتير الجامدة

يقصد بهذا النوع من الدساتير تلك التي لا يمكن تعديل نصوصها إلا بإتباع إجراءات خاصة غير تلك المتبعة في تعديل القوانين العادية حفاظا على ثبات الدستور و استقراره و تجنبا للتعديلات السريعة غير المدروسة، و تنص الدساتير الجامدة عادة على طريقتين للتعديل و هي: أن لا يتم التعديل إلا وفق إجراءات خاصة أو أن يكون التعديل محظورا بصفة مطلقة أو لمدة زمنية محددة.

أولا: التعديل وفق إجراءات خاصة

يحدد المؤسس الدستوري عدة مراحل لإجراء التعديل و هي اقتراح التعديل و إقراره مبدئيا و إعداده ثم إقراره بشكل نهائي، و يختص باقتراح التعديل عادة البرلمان أو الحكومة أو الاثنين معا أو البرلمان بمشاركة الشعب، و يختص البرلمان بإقرار مبدأ التعديل الذي يتولى بعد ذلك إعداده و إقراره بشكل نهائي و في حالات معينة فان الإقرار يعرض على الشعب الذي يتولاه عن طريق الاستفتاء.

ثانيا: التعديل الزمني والمطلق

بالنسبة للتعديل الزمني يتمثل في منع أي تعديل على الدستور أو بعض أحكامه لمد زمنية محددة أو مبني على شرط، و قد يكون منع التعديل مطلقا ولكن في بعض أحكامه فلا يجوز تعديل بعض أحكامه أو كلها في أي وقت من الأوقات كحظر تعديل شكل الدولة او طبيعة النظام السياسي فيها مهما طالت المدة، و من الدساتير التي حظرت تعديل بعض النصوص بصفة دائمة، دستور الجمهورية الفرنسية الرابعة الصادر سنة 1946 الذي نص على أن الشكل الجمهوري للحكومة لا يمكن ان يكون محلا للتعديل.

الفرع الثاني: الدساتير المرنة و تعديلها

تخضع الدساتير المرنة في تعديلها إلى نفس الكيفيات و الإجراءات التي يعدل بمقتضاها القانون العادي بحيث نكاد لا نفرق بين السلطة التأسيسية و السلطة التشريعية، و ينتج عند هذا الوضع تمتع السلطة التشريعية بسلطات واسعة في ظل الدستور المرن إذ أنها تملك إجراء ما تراه من تعديلات في أحكام الدستور بواسطة ذات الشروط و الأوضاع التي تعدل بها القوانين العادية ذلك فضلا عن قيامها بسن وتعديل و إلغاء التشريعات العادية.

المطلب الثاني: التعديل السياسي

يقصد بالتعديل السياسي الإجراء الذي يؤدي مع مرور الزمن إلى تجاهل حكم أو عدة أحكام من الدستور و هو ما اصطلح على تسميته بالاعتياد على عدم تطبيق النص الدستوري فلذا عملت إحدى الهيئات على عدم استعمال حق مقرر لها في الوثيقة الدستورية فان هذا الامتناع مع مرور الوقت يؤدي إلى سقوطه بسبب عدم الاستعمال مما يؤدي إلى أحداث تعديل في الوثيقة الدستورية عن طريق إفراغها من بعض أحكامها، و مع ذلك فان غالبية الفقهاء ذهبوا للقول على أن عدم استعمال حق من الحقوق المقررة في الوثيقة الدستورية لصالح هيئة من الهيئات العامة لا يمكن أن يترتب عليه سقوط هذا الحق وبالتالي إحداث التعديل لان هذا الأخير لابد أن يتم النص عليه في الدستور بشكل صريح.

المبحث الثالث: نهاية الدساتير

كما للدساتير فترة توضع فيها ومدة تعيشها فهي أيضا تنتهي ليأتي غيرها وذلك تماشيا مع مختلف المستجدات التي قد تطرأ على المجتمع، ولكن غالبا ما يميز الفقه بين أسلوب قانوني وأخر فعلي.

المطلب الأول: الأسلوب القانوني

إن الوثائق الدستورية لا تتضمن النص على كيفية إلغائها بل تتضمن فقط النص على الكيفية التي يمكن أن تعدل بها بعض نصوصها، وهذا حتى يكون حق الإلغاء متروكا للشعب باعتباره صاحب السلطة التأسيسية الأصلية، ولكن يمكن أيضا أن توكل مهمة إنهائه إلى سلطة أخرى غير السلطة التأسيسية شريطة أن يكون ذلك منصوص عليه صراحة في الدستور، وفي كل الأحوال فإن نهاية الدستور بطريقة قانونية عادة ما تكون بوضع دستور جديد ينص صراحة على إلغاء الدستور القديم، أو يفهم ذلك ضمنيا إذا كان الدستور الجديد يناقض تماما الدستور القديم أو أنه يعدل جل أحكامه.

المطلب الثاني: الأسلوب الفعلي

إن الأسلوب الفعلي هو وسيلة غير طبيعية لإنهاء القواعد الدستورية و وذلك عن طريق الثورة أو الانقلاب، فالشعب عندما يكون غير راض عن النظام القائم سواء لاستبداده و عدم استجابته لتطلعاتهم وإرادتهم في التعبير، حينها قد يقوم بثروة عارمة و شاملة للإطاحة بالنظام و تغييره، فالثورة بهذا المعنى هي حركة شعبية مستمرة يقوم بها الشعب أو نخبة منه تساند الجماهير بقصد أحداث تغيير جذري في بنية النظام السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي في الدولة.

وقد يتم إنهاء القاعدة الدستورية وبالتالي تغيير النظام الدستوري بالانقلاب، وفي هذه الحالة لا تتدخل الجماهير بل يكون صراع بين أعضاء الطبقة السياسية أنفسهم، فالانقلاب على هذا النحو هو عبارة عن حركة تصدر من فئة في السلطة ضد فئة أخرى قصد إبعادهم عن الحكم بالعنف والقوة، وعادة ما يكون الجيش هو المدبر لعملية الانقلاب والذي يطلق عليه بمصطلح الانقلاب العسكري وهذه الظاهرة منتشرة بكثرة في دول العالم المتخلف.

الفصل السادس: تطور الدساتير الجزائرية

على الرغم من قصر فترة ما بعد الاستقلال إلا أن الجزائر عرفت مراجعات عديدة لدستورها من بينها أربعة مرجعات كبرى أسفرت عن أربعة دساتير هم دستور 1963 ودستور سنة 1976 في الفترة الاشتراكية، ودستور 1989 ودستور 1996 في ظل الحقبة الليبرالية ومع كل دستور أوضاع خاصة سواء من حيث النشأة أو التعديل أو النهاية.

المبحث الأول: نشأة الدساتير الجزائرية

يعتبر دستور 10 سبتمبر 1963 أول وثيقة دستورية شكلية عرفتها الدولة الجزائرية بعد استقلالها، وقد تم إعداد مشروع الدستور في 31 جويلية 1963 بندوة الإطارات بقاعة سينما الماجستيك وعرض على المجلس السياسي للحزب ثم على المجلس الوطني من طرف خمسة نواب، وصادق عليه هذا الأخير يوم 28 أوت 1963 ثم عرض للاستفتاء الشعبي في 08 سبتمبر 1963.

ولأن كان المجلس التأسيسي الذي انبثق عن اتفاقية إفيان هو المخول له وضع الدستور فإن الاختلاف والصراع الذي ثار بين قادة الثورة غير مساره، مما جعل العمل بالدستور يتوقف بعد 23 يوم من إقراراه، ليقوم بن بلة بتجميد العمل به وفقا لأحكام المادة 59[4] من الدستور نظرا للأوضاع التي شهدتها الدولة الجزائرية في تلك الفترة، بداية بالنزاع الحدودي مع المملكة المغربية، مرورا النزاع القائم في منطقة القبائل برئاسة أيت احمد، ووصولا للتمرد العسكري الذي قام به العقيد شعباني.

وعلى الرغم من اخماد هذه الفتن إلا أن الصراع انتقل إلى حاشية بين بلة وأسفر على حدوث الانقلاب العسكري في 19 جوان 1965 أين تم إصدار الأمر رقم 65/185 الصادر بتاريخ 10 جويلية 1965، الذي اعتبر بمثابة دستور للدولة الجزائرية ـ الذي يفضل البعض تسميته بالدستور المادي الصغير ـ والذي ألغى ضمنيا الأحكام التي يتضمنها دستور 1963 ويظهر ذلك من عدة قرائن، إذ جاء في مضمون وحيثيات هذا الأمر التي جاء إحداها كالأتي: ... ريثما تتم المصادقة على دستور للبلاد فإن مجلس الثورة هو صاحب السيادة"، كما أنه هناك قرينة ثانية تتمثل في نص المادة السابعة منه والتي تنص على انه:" ينشر هذا الأمر ... وينفذ كقانون للبلاد"، ليتم العمل به لمدة تتجاوز العشر سنوات ذلك إلى غاية صدور الوثيقة الدستورية لسنة 1976.

أما بالنسبة لدستور سنة 1976 فقد تم إعداد مشروعه من طرف لجنة خاصة تتكون من رجال متخصصين ولديهم الخبرة في المجال القانوني والسياسي في إطار حزب جبهة التحرير الوطني وكان ذلك في أكتوبر 1976 وبعد ذلك تم عقد ندوة وطنية تحت إشراف الحزب وتمت مناقشة مضمون هذا المشروع وتمت الموافقة على إصداره في 06 نوفمبر 1976، أما الصدور الرسمي للدستور فكان في 14 نوفمبر 1976 وذلك بموجب مرسوم رئاسي، وتم عرضه للاستفتاء الشعبي في تاريخ 19 نوفمبر 1976 فوافق عليه الشعب بالأغلبية المطلقة بموجب أمر رقم 76/97 المؤرخ في 22 نوفمبر 1976.

وما تجدر الإشارة إليه، أن دستور سنة 1976 قد شهد ثلاثة تعديلات متتالية، بالنسبة للتعديل الأول فقد تم بموجب القانون رقم 79/06 الصادر في 07/07/1979 وشمل هذا التعديل عدة مواد تتعلق بمركز رئيس الجمهورية من حيث إجراءات انتخابه وسلطاته كما تم إنشاء مهام نائب أو نواب الرئيس ومهام الوزير الأول، أما التعديل الثاني فقد تم عن طريق القانون رقم 80/01 المؤرخ في 12/01/1980 والذي استحدث بموجبه مجلس المحاسبة، والتعديل الأخير فقد تم بواسطة استفتاء 03/11/1988 تم بموجبه إحداث تعديلات في السلطة التنفيذية وتم تكريس نظام الثنائية في الجهاز التنفيذي واستحداث مركز رئيس الحكومة وتقرير مسؤولية الحكومة أمام السلطة التشريعية ( البرلمان ).

ثم يلي بعد ذلك صدور دستور سنة 1989 كنظام جديد، وصدوره يعود إلى مجموعة من الأسباب والعوامل من بينها فشل النظام القائم عن الاستجابة لحاجيات ومتطلبات الشعب المتزايدة نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية من خلال تدهور أسعار النفط وعجز الحكومة أيضا على التحكم في تسيير الاقتصاد الوطني مما أدى إلى انتشار ظاهرة البطالة والمعاملة السيئة التي كان يتعرض لها المواطن لدى تعامله مع الأجهزة البيروقراطية والسلطوية الأخرى وما نتج عنه هو فقدان الثقة بينه وبين الأشخاص الحاكمين، وأما هذه الأسباب كلها شرعت رئاسة الجمهورية في أكتوبر 1989 بنشر مشروع التعديل الدستوري لتبين فيه أهم الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يتضمنها التعديل، وفي 23/10/1989 تم الاستفتاء على الدستور والموافقة عليه من طرف الشعب بالأغلبية الساحقة.

ولقد شكّل هذا التعديل عهدًا جديدًا في الحياة السياسية والاقتصادية للدولة الجزائرية، بحيث تم تكريس نهاية الحزب الواحد وإقرار مبدأ التعددية الحزبية واعتناق النظام الليبرالي وبالتالي التخلي ولكن سرعان ما سقطت الدولة في أزمة سياسية وأمنية ناجمة عن الفراغ الدستوري الذي خلفته استقالة رئيس الجمهورية في 11 ديسمبر 1992 واقترانها بشغور منصب رئيس المجلس الشعبي الوطني فتح المجال لخرق واسع لأحكام الدستور، ومرت الجزائر بمرحلتين انتقاليتين إلى غاية وضع دستور 1996 وخلال تلك المرحلتين أقيمت مؤسسات بعيدة عن أحكام الدستور فظهر المجلس الأعلى للدولة مكان رئيس الجمهورية ومجلس وطني استشاري ثم بعد ذلك مجلس وطني انتقالي مكان البرلمان.

وبقيت الحالة على ما هي عليه إلى غاية صدور دستور 1996ØŒ بعد استفتاء 28 نوفمبر 1996 والذي تم اصداره بموجب المرسوم الرئاسي رقم 96/438 المؤرخ في 07 ديسمبر 1996 الذي استحدث بدوره مؤسسات جديدة كالازدواجية البرلمانية والقضائية، وتم تعديله في سنه 2002 بموجب القانون رقم 02/03 المؤرخ في 10 أفريل 2002 بحيث تم إضافة نص المادة 03 مكرر أين تم من خلالها إدراج ودسترة اللغة الأمازيغية كلغة وطنية ثانية، إلى جانب التعديل الأخير في سنة 2008 بموجب القانون رقم 08/19 المؤرخ في 15/11/08ØŒ ج.ر، العدد 63ØŒ الصادرة في 16/11/08.                                                                                                                                                                                                             

المبحث الثاني: تعديل الدساتير الجزائرية

في ظل الدساتير الجزائرية تختلف الجهات المخولة لها حق المبادرة بالتعديل الدستوري، فهناك من الدساتير التي حصرت حق المبادرة بالتعديل الدستوري في جهة واحدة مثل دستور سنة 1976 ودستور سنة 1989، بحيث منحت لرئيس الجمهورية وحده فقط الحق في المبادرة باقتراح التعديل بحيث تنص المادة 191 من دستور 1976 على أنه:" لرئيس الجمهورية حق المبادرة باقتراح تعديل الدستور"، أما في دستور سنة 1989 فنستخلص ذلك من مضمون نص المادتين 07 و163 منه.

كما مكّنت بعض الدساتير الأخرى لرئيس الجمهورية والبرلمان معا حق المبادرة بالتعديل الدستوري مثل دستور عام 1963 ذلك من خلال نص المواد من 71 إلى نص المادة74 منه وهي المواد التي نظم بموجبها التعديل الدستوري، فالمبادرة تتم بمشاركة رئيس الجمهورية والأغلبية المطلقة لنواب المجلس الوطني، وهو الشيء نفسه الذي تضمنه دستور 1996 ويتجلى ذلك من خلال نص المادة 174 منه التي خولت لرئيس الجمهورية الحق باقتراح التعديل، كما يمكن لثلاثة أرباع ( ¾ ) من أعضاء الغرفتين مجتمعتين معا ( أعضاء المجلس الشعبي الوطني وأعضاء مجلس الأمة ) أن يبادروا باقتراح التعديل وعلى رئيس الجمهورية الذي يمكن له عرضه على الشعب للاستفتاء والمصادقة عليه ( المادة 177 ).

أما بالنسبة لكيفية إقرار التعديل الدستوري في الجزائر كذلك يتم بطرق مختلفة، فيمكن إقرار التعديل من طرف البرلمان فقط ( الأسلوب القصير ) لكن وفق إجراءات خاصة تختلف عن تلك الإجراءات المتبعة في القوانين العادية وهذا ما عملت به بعض الدساتير كدستور سنة 1976 في نص المادة 173 منه التي تنص على أنه:" إذا تعلق مشروع قانون التعديل بالأحكام الخاصة بتعديل الدستور فمن الضروري أن يتم الإقرار بأغلبية ثلاثة أرباع ( ¾ ) من أعضاء المجلس الشعبي الوطني، في حين أن القوانين العادية في ظل أحكام هذا الدستور يتم إقرارها بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس الشعبي الوطني ( نص المادة 115 ).

وكذلك دستور سنة 1989 في المادة 164 منه التي تنص على أنه إذا كان مشروع التعديل الذي يبادر به رئيس الجمهورية لا يمس بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري وحقوق الإنسان والحريات وبالتوازنات الأساسية للمؤسسات الدستورية بعد عرضه على المجلس الدستوري فإن التعديل يعرض على المجلس الشعبي الوطني للمصادقة عليـه بنسبة ثلاثة أرباع ( ¾ ) من أعضائه.

وهو نفس المعنى الذي تضمنته نص المادة 176 من دستور سنة 1996 بحيث يمكن لرئيس الجمهورية أن يختار الأسلوب القصير بحيث يكتفي فقط بعرض مشروعه المتضمن التعديل الدستوري مباشرة على غرفتي البرلمان دون عرضه على الاستفتاء الشعبي بعد أخذ رأي المجلس الدستوري شريطة أن يحرز على ثلاثة أرباع ( ¾ ) من أصوات غرفتي البرلمان مجتمعتين معا وبهذه الكيفية تم إجراء تعديل دستور سنة 1996 في عام 2002 Ùˆ2008.

كما يمكن إقرار التعديل الدستوري عن طريق الاستفتاء الشعبي ( الأسلوب المطوّل )، بمعنى أن مشروع التعديل لابد أن يعرض على الشعب للمصادقة عليه حتى يصبح نافذا كما هو منصوص عليه في دستور سنة 1189 ذلك بموجب نص المادة 163 منه ودستور سنة 1996 في نص المادة 174 التي تنص على أنه يمكن لرئيس الجمهورية عرض مشروع التعديل على البرلمان للمصادقة عليه بنفس الشروط المتبعة في القوانين العادية ويقوم بعد ذلك بعرض مشروع التعديل الدستوري على الشعب للاستفتاء عليه خلال الخمسين ( 50 ) يوما الموالية لإقراره من طرف البرلمان، وكذلك دستور سنة 1963 مع مصادقة البرلمان مسبقا في نص المادة 73 منه.

وما يمكن ملاحظته، هو أن عملية المبادرة بالتعديل الدستوري بعيدة عن الشعب باعتباره هو صاحب السيادة و السلطة التأسيسية فيتم تعديل الدستور خارج الإرادة الشعبية، وعلى هذا الأساس يمكن لنا القول بأن تنظيم عملية المبادرة باقتراح التعديل الدستوري هي عملية تتحكم فيها السلطة التنفيذية وتم حصرها فقط ضمن اختصاصات رئيس الجمهورية وهذا ما يبين بشكل واضح التناقضات الموجودة في بعض الأحكام الواردة في دستور سنة 1996 لاسيما نص المادة 07 منه التي تنص عل أنه:" إن السلطة التأسيسية ملك للشعب " والأحكام التي تتضـمن المراجعة الدستورية أو التعديل الدستوري ( المواد من 174 إلى 177).

أكثر من ذلك، فإن قبول المبادرة من البرلمان يخضع دائما لتقدير رئيس الجمهورية وهذا ما يجعل المبادرة بالتعديل الدستوري الذي يقترحه البرلمان غير كاف لإنتاج أثره فالدستور لم يتضمن إمكانية إصدار النص الذي وافق عليه ممثلوا الشعب بعد مبادرة منهم إلا بعد تدخل رئيس الجمهورية الذي يكنه عرض النص للاستفتاء الشعبي، وبالتالي نلاحظ بأن رئيس الجمهورية يملك احتكارا تاما لسلطة المبادرة باقتراح التعديل الدستوري ولا يمكن لأي مشروع أو مبادرة بالتعديل أن يتحقق إذا لم يتم من جانبه.

الفصل الرابع: الرقابة على دستورية القوانين

حفاظا على سمو الوثيقة الدستورية لابد على السلطات العامة التي أنشأها الدستور وحدد اختصاصاتها أن تحترم الأحكام والمبادئ التي يتضمنها لما له من سمو وعلو مطلق، وسمو هذا المبدأ لن يتجسد ولن تكون له قيمة قانونية وعملية إذا لم يوجد نوع من الرقابة العليا على القوانين واللوائح للتحقق من عدم مخالفتها للأحكام الواردة في الدستور.

ولقد اتبعت في هذا الشأن طرق مختلفة لتكوين وتشكيل الهيئات التي أسندت إليها مهمة الرقابة على دستورية القوانين، فغالبية دول العالم التي أخذت بهذه الفكرة اختلفت بشأن طبيعة الهيئة المسندة لها وظيفة الرقابة، فهناك من أسندها إلى هيئة سياسية فسميت بالرقابة السياسية على دستورية القوانين وهناك البعض الآخر من أسندها إلى هيئة قضائية فسميت بالرقابة القضائية على دستورية القوانين.

المبحث الأول: الرقابة السياسية على دستورية القوانين

في هذا النظام تتولى هيئة ذات طابع سياسي وظيفة الرقابة على دستورية القوانين ويتم اختيار أعضاء هذه الهيئة سواء بالتعيين أو بالانتخاب من طرف الحكومة أو البرلمان أو من كليهما معا وصلاحياتها تختلف من دولة إلى أخرى ومن أبرز الدول التي كرست هذا النظام فرنسا والدول الاشتراكية.

المطلب الأول: الرقابة السياسية على دستورية القوانين عن طريق مجلس دستوري

لقد ظهرت البوادر الأولى للرقابة السياسية على دستورية القوانين عن طريق المجلس الدستوري في فرنسا وذلك باستحداث هيئة سياسية خاصة تتولى النظر في مدى مطابقة القانون للدستور، ويعود الفضل في ظهور هذه الفكرة من الرقابة إلى الفقيه الفرنسي سييز (Sieyès )  Ø§Ù„ذي نادى بضرورة استحداث هيئة سياسية تكون وظيفتها الأساسية إلغاء القوانين المخالفة للدستور وهدفه في ذلك هو حماية الدستور من الاعتداء على أحكامه من قبل السلطات العامة، وإذا كان سييز قد فضل الرقابة السياسية عن الرقابة القضائية فذلك يعود إلى مجموعة من الأسباب:

- أسباب تاريخية؛ ذلك بالنظر إلى الدور الذي كانت تقوم به البرلمانات إذ توصلت إلى إلغاء القوانين لذا عمل رجال الثورة على تقييد عمل السلطات والمحاكم ومنعها من التدخل في اختصاصات السلطة التشريعية.

- أسباب قانونية؛ فنجد أصلها في مبدأ الفصل بين السلطات وأن تصدي السلطة القضائية للرقابة الدستورية يعد تدخلا في اختصاصات السلطتين التشريعية والتنفيذية.

- وهناك أسباب سياسية؛ بحيث اعتمد في تبريره بعدم الأخذ بالرقابة القضائية كون أن القانون هو تعبير عن إرادة الأمة وأن هذه الإرادة أسمى من القضاء وعليه فإنه لا يجوز له ( القضاء ) التعرض لمدى دستورية أو عدم دستورية قانون يعبر عن إرادة الأمة.

        ولقد حظيت هذه الأفكار مساندة وتأييدا واسعا ويتجلى ذلك من خلال صدور دستور فرنسا للسنة الثامنة في 15/12/1799 أين أسند مهمة الرقابة إلى مجلس الشيوخ حامي الدستور على أن تكون هذه الرقابة سابقة على إصدار القوانين وسمح له بإلغاء القوانين المخالفة مع الدستور إلا أن هذه الهيئة عجزت عن أداء مهمتها إذ تحولت إلى أداة في يد نابليون يديرها ويسيرها كما يشاء.

        كما تم إقرار هذا النوع من الرقابة أيضا في دستور سنة 1946 باسم اللجنة الدستورية، وهي بدورها أيضا كانت مقيدة فلا يمكن هلا التدخل للبحث على مدى دستورية القوانين إلا بتوافر مجموعة من الشروط وإتباع إجراءات معينة ومعقدة تتمثل في ضرورة توجيه طلب إليها من طرف رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الجمهورية بموافقة الأغلبية المطلقة لهذا الأخير وأن يكون الطلب قبل صدور القانون، ورغم تعرض هذه الطريقة لانتقادات واسعة إلا أن ذلك لم يمنع واضعي دستور عام 1958 من إسناد وظيفة الرقابة إلى هيئة سياسية تسمى بالمجلس الدستوري تقوم بمهمة الرقابة على دستورية القوانين قبل إصدارها ( رقابة سابقة )ØŒ وعلى هذا الأساس سوف نتطرق فيما يلي إلى عرض موجز عن هذه التجربة من حيث تشكيلة المجلس الدستوري وهيئات الإخطار وكذا تبيان أهم اختصاصاته.

الفرع الأول: تشكيل المجلس

يتألف المجلس الدستور في فرنسا من أعضاء بحكم القانون وهم رؤساء الجمهورية السابقين الذين هم على قيد الحياة ( المنتهية عهدتهم ) ومن تسعة أعضاء آخرين معينين لمدة تسعة سنوات ويتجدد ثلث أعضائه كل ثلاث سنوات، فيتولى رئيس الجمهورية بتعيين ثلاثة أعضاء ويعين رئيس الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ كل منها ثلاثة أعضاء أما رئيس المجلس فيختاره الرئيس من بين الأعضاء ولا يجوز لهؤلاء الأعضاء الجمع بين العضوية في المجلس وفي البرلمان أو الوزارة أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

الفرع الثاني: اختصاصات المجلس

تتمثل اختصاصات المجلس الدستوري الفرنسي في التحقق من مدى مطابقة أو مخالفة القوانين للدستور كالقوانين العادية، المعاهدات الدولية، القوانين العضوية والأنظمة الداخلية لغرفتي البرلمان،...ذلك بناءا على طلب من رئيس الجمهورية أو الوزير الأول أو رئيس الجمعية الوطنية أو رئيس مجلس الشيوخ أو 60 نائبا من أحد المجلسين، وإذا اتضح للمجلس الدستوري بأن ذلك القانون مخلف للأحكام الدستور يترتب عنه عدم صدور ذلك القانون ويصبح بذلك قرار المجلس ملزما لكافة السلطات العامة ولا يقبل الطعن فيه.

كما أن للمجلس اختصاصات أخرى، فهو الذي يشرف على انتخاب رئيس الجمهورية ويختص بالنظر في الطعون المقدمة بشأن انتخابه، ويتولى الإشراف على الاستفتاءات وإعلان نتائجها، كما أنه يبحث تلقائيا مدى دستورية القوانين ويكلف بالنظر في النزاعات الخاصة بصحة انتخابات النواب ومجلس الشيوخ فضلا عن ذلك فهو يتولى تحديد حالات عجز رئيس الجمهورية عند ممارسة مهامه، وكذا إبداء رأيه حينما يلجأ الرئيس إلى الحالات الاستثنائية.

وعليه يمكن القول بأن الرقابة على دستورية القوانين عن طريق المجلس الدستوري هي رقابة قبلية ـ قبل صدور القانون ودخوله حيز التنفيذ ـ وهي رقابة ذات ميزة سياسية باعتبارها تتم عن طريق جهاز ذو طابع سياسي والمتمثل في المجلس الدستوري،

المطلب الثاني: الرقابة على دستورية القوانين عن طريق هيئة نيابية

إن هذا النوع من الرقابة منتشر بكثرة في الدول الاشتراكية والغرض منه هو تكريس الإرادة الشعبية حيث لا يعقل أن يقيّم عمل البرلمان الذي هو ممثلا للشعب إلا البرلمان نفسه، وقد تبنى الاتحاد السوفياتي سابقا هذا النظام؛ بعد أن أسندت مهمة الرقابة إلى هيئة رئاسة السوفيات الأعلى التي تمثل السلطة التشريعية وتمارس الرقابة على التقيد بالدستور وتفسير قوانين الاتحاد السوفياتي كما تلغي أوامر وقرارات مجلس وزراء الجمهوريات المتحدة إذا كانت غير مطابقة للقانون، كما تبنته ألمانيا الشرقية في ظل دستور 1968 الذي أسند مهمة الرقابة إلى مجلس الدولة، وما يعاب على هذه الطريقة كونها لا تسند مهمة الرقابة على دستورية القوانين لهيئة مستقلة عن السلطة التشريعية وإنما تسندها إلى الهيئة المصدرة بحد ذاتها للقانون والتي تسمى بالرقابة الذاتية.

المبحث الثاني: الرقابة القضائية على دستورية القوانين

إن المقصود بالرقابة القضائية على دستورية القوانين هو أن تسند وظيفة الرقابة على القوانين الصادرة من البرلمان إلى جهة قضائية إما إلى المحاكم المختلفة أو إلى محكمة عليا معينة يتم النص عليها في الدستور، وعلى هذا النحو يمكن القول بأن الهيئة القضائية لا يقتصر دورها فقط على النظر في مدى تطابق القرارات الإدارية للقانون وتطبيقه وإنما يتعدى ذلك إلى مراقبة مدى مطابقة القانون للدستور.

ومما لا شك فيه أن إسناد مهمة التحقق من مدى مطابقة القوانين المخالفة للدستور إلى القضاء تترتب عنه مزايا عديدة لا تتوافر في حالة تولي هيئة سياسية لهذه المهمة، فهذا الأسلوب يضمن فحص دستورية القوانين بعيدا عن كل الاعتبارات السياسية لما يتوافر في رجال القـضاء من ضمانات الحياد والموضوعية والاستقلالية في مباشرة وظائفـهم من جهة، كما أنهم مؤهلين بحكم تكوينهم للاضطلاع بمهمة فحص القوانين للتعرف على مدى موافقتها للأحكام الدستور من جهة أخرى، كما تضمن رقابة القضاء للأفراد حرية التقاضي، حق الدفاع، علانية الجلسات، تعليل الأحكام وعلانيتها وهي كلها إجراءات معروفة وعادية مما يجعل الرقابة على دستورية القوانين فعالة وحقيقية.

كما أن هذا الأسلوب وجهت إليه عدة انتقادات من بينها أنه يشكل مساسا بمبدأ الفصل بين السلطات؛ فالرقابة التي يمارسها القاضي على تصرف أو عمل تقوم به السلطة التشريعية يعد تدخلا في صلاحياتها وأن قيام القاضي بفحص مدى مطابقة القانون مع الدستور يجعله يخرج عن إطار وظيفته والمتمثلة في تطبيق القانون وليس تقييمه أو الحكم عليه، كما تشكل الرقابة القضائية اعتداءا على البرلمان المعبر عن إرادة الأمة وبالتالي هو اعتداء على سيادة الأمة، ورغم هذه الانتقادات إلا أنه هناك العديد من الدول التي كرست هذا النظام، وعليه يمكن حصر صور الرقابة رغم تنوعها في الدول المختلفة في نوعين:

- الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدعوى الأصلية ( المطلب الأول ).

- الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدفع أو الامتناع ( المطلب الثاني ).

المطلب الأول: الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدعوى الأصلية

إن الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدعوى الأصلية ينص عليها الدستور صراحة في نصوصه وأحكامه، ذلك بإسناد تلك المهمة إلى جهة قضائية فتختص بالنظر في صحة القوانين إذا طعن أحد الأفراد في قانون معين عن طريق دعوى أصلية بعدم دستوريته فتقوم وفقا لدراستها بإصدار حـكم يثبت ذلك القانون إذا كان مطابقا للدستور أو يلغيه إذا كان مخالفا له.

وتتميز هذه الطريقة من الرقابة بكونها تعتبر وسيلة قانونية يستخدمها الفرد للقضاء على القانون قبل تطبيقه عليه مستندا في ذلك على حقه المستمد من الدستور في رفع تلك الدعوى، غير أن هذا الحق إن كان مستمدا من الدستور إلا أنه مقيد بشرط يتمثل في أن تطبيق هذا القانون سيمس بمصلحته وحقوقه أو يحتمل ذلك، ومن ثم فإنه لا ينتظر حتى يطبق عليه ثم يرفع دعوى أمام القضاء وإنما يرفع دعواه بمجرد صدوره أمام المحكمة المختصة إذا ما تبين له أنه سيمس بمصالحه، وبناء على دعوى صاحب الشأن ينظر القاضي في الدعوى قصد التحقق من مدى مخالفة القانون للدستور، فإذا اتضح له ذلك يحكم بإلغائه وهذا الإلغاء يكون نهائيـا لا يجوز الطعن فيه، ومن بين الدول التي تأخـذ بهذه الطريقة ألمانيا، إسبانيا، البرتغال محكمة دستورية، النمسا وإيطاليا بمجلس دستوري قضائي.

المطلب الثاني: الرقابة القضائية على دستورية القوانين عن طريق الدفع

إن الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدفع أو الامتناع لا يتم النص عليها في الدستور وإنما يستنتج من صفة الدستور فإذا كان جامدا ولم يمنع القضاء من ممارسة تلك الرقابة صراحة حق له ممارستها عن طريق الدفع والقول بغير ذلك يعني هدم فكرة مبدأ دستورية القوانين ووضع الدستور في مرتبة القوانين الأحرى مما يتنافى وجمود الدستور الذي يختلف عن القوانين الأخرى من حيث أنه المصدر الأساسي للقوانين.

والرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدفع أو الامتناع تقتصر فقط على عدم تطبيق القانون المطعون فيه إذا كان مخالفا للدستور، فهذا النوع من الرقابة لا يمارس إلا بناءا على طلب أو دعوى مرفوعة أمام المحكمة المختصة وأن حكمها لا يلغي القانون ولو كان مخالفا للدستور، فرغم صدور القانون وكونه يمس بمصلحة وحقوق الأفراد لو يطبق عليهم إلا أنهم لا يستطيعون مهاجمته طالبين إلغائه بل على كل شخص أن ينتظر إلى أن يراد تطبيق ذلك القانون عليه فيمتنع الخضوع والامتثال له ثم يقدم إلى المحكمة متهما بعدم الامتثال للقانون وحينها يدفع أمام القضاء بعدم دستورية ذلك القانون باعتباره مخالفا للدستور، وبعدها تلتزم المحكمة بفحص دعوى الشخص المقدم للمحاكمة وتبحث على مدى دستورية ذلك القانون، فإذا ظهر لها أن ذلك القانون غير دستوري فإنها تمتنع عن تطبيقه عليه في تلك الدعوى دون الحكم بإلغائه.

والقول بهذا لا يعني أن تلك المحكمة ملزمة بالتقيد بأحكامها بل لها الحرية في الحكم مرة أخرى بدستورية ذلك القانون الذي قضت بعدم دستوريته في حكمها الأول وكذلك الشأن بالنسبة للمحاكم الأخرى فإنها ليست مقيدة بأحكام المحاكم الأحرى أو بأحكامها إلا إذا كان الحكم صادر من المحكمة الاتحادية العليا.

المطلب الثالث: الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الحكم التقريري

إن هذا النوع من الرقابة يعتبر ألية وقائية من تطبيق القانون الذي يكون غير دستوري، بحيث يتيح هذا النوع لكل شخص يرى بأن قانون ما يخالف أحكام الدستور أن يرفع دعوى قضائية يقرر فيها القاضي عدم الدستورية، وهذا قبل أن يطبق عليه القانون من قبل الموظف المكلف بهذا، وبالتالي في حال جاء أعوان الدولة لتطبيق القانون عليه يرفض التقيد به على أساس الحكم التقريري الذي يحوزه، ومثل هذا النمط موجود في الولايات المتحدة الأمريكية.

المطلب الرابع: الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الأمر القضائي

إن أسلوب الأمر القضائي لا يتعلق بعدم الدستورية بل هو فقط مجرد وقف مؤقت للقانون المراد تطبيقه، بمعنى أن الأمر القضائي يتيح لكل شخص يراد أن يطبق عليه قانون ما مشكوك فيه أن يرفع دعوى قضائية لوقف تنفيذ القانون ريثما تنظر جهة أخرى في مدى دستوريته، فيستجيب القاضي لذلك ولكنه لا ينظر هل القانون غير دستوري أم لا، إنما تكون هناك جهة أخرى تقوم بذلك، وعند صدور الأمر القضائي يتوقف الموظف المكلف بتنفيذ القانون عن تنفيذه وينتظر حتى يصدر حكم من المحكمة التي تنظر في مدى دستوريته، فإذا صدر الحكم بأن القانون دستوري يستأنف الموظف عمله، وإن كان العكس يمتنع عن ذلك كلية.

الفصل الخامس: الرقابة على دستورية القوانين في الجزائر

تعد الرقابة على دستورية القوانين دعامة أساسية لاحترام الحقوق والحريات في أي دولة، وطريقة لتقييد نفوذ الحكام بما توفره من صيانة لأحكام الدستور، مما جعله مبدأ تعتنقه غالبية الدول ومن بينها الجزائر في ظل دستور 96، أما قبله فقد تباين موقف المؤسس الدستوري في تبنيها وفي الأحكام التي تتعلق بها.

المبحث الأول: تطور الرقابة في الدساتير الجزائرية

لقد تبنى المؤسس الدستوري الجزائري منذ أول دستور اعتمدته الجزائر مبدأ الرقابة على دستورية القوانين، لكن موقفه منها تغير في ظل دستور 76 حيث همشها لكن دستور 89 أحياها مرة ثانية ثم أكدها دستور 96 الساري المفعول.

المطلب الأول: الرقابة على دستورية القوانين في دستور 1963

على اعتبار التأثر الواضح للمؤسس الدستوري الجزائري بنظيره الفرنسي فقد تم ادراج فكرة الرقابة على دستورية القوانين في أول دستور عرفته الجزائر، بحيث تم تنظيمها في المادتين 63 و64، فنصت المادة 63 على تشكيلة المجلس الذي يتألف من الرئيــس الأول للمحكمة العليا، و رئيسي الحجرتين المدنية والإدارية في المحكمة العليا و ثلاثة نواب يعينهم المجلس الوطني و عضو يعينه رئيس الجمهورية، أما رئيس المجلس فينتخبه أعضائه، أما المادة 64 فتحدد صلاحياته والمتمثلة في الفصل في دستورية القوانين والأوامر التشريعية بطلب من رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الوطني.

غير أن المجلس الدستوري لم يتم تشكيله بتاتا بالنظر إلى تجميد العمل بالدستور بعد 23 يوم من اعتماده، بالتالي فالجزائر بقيت طيلة الفترة التي سبقت دستور 76 من دون آلية لرقابة دستورية القوانين.

المطلب الأول: الرقابة على دستورية القوانين في دستور 1976

لم تتغير الأمور بعد صدور دستور 76 بل على العكس يمكن أن نسجل تراجع على أساس أن دستور 1976 على عكس سابقه لم ينص مطلقا على مبدأ الرقابة على دستورية القوانين، على الرغم من تخصيص فصل كامل لوظيفة الرقابة يحتوي على 17 مادة.

وإذا كان البعض يتحدث عن وجود رقابة عن طريق الدفع، على أساس أن هذا النوع من الرقابة لا يتم النص عليه في الدساتير، وإنما يعمل به بمجرد أن يكون الدستور جامدا ويتمتع بالسمو، وبشرط ألا يكون هناك نص صريح في الدستور يمنع على القضاة ممارسة الرقابة على دستورية القوانين.

غير أن هذا الرأي يخالفه كثير من المختصين بالاستناد على مجموعة من الحجج القوية، وأولها ممارسة الرقابة يفرض وجود مبدأ الفصل بين السلطات وهو مبدأ غائب في الدستور الجزائري آنذاك الذي فصل فقط بين الوظائف، الأمر الثاني أن الرقابة لا يمكن أن تكون إلا حيث يكون الدستور جامد ويمتاز بالسمو، وهذه الخاصية أيضا لا نلتمسها في هذا الدستور الذي يبدو أنه أقرب للمرونة من خلال الجهات المخول لها تعديله والإجراءات المتطلبة لذلك، وكلاهما يقترب إلى القوانين العادية، ومن جانب أخر هناك نصوص عديدة في الدستور كالمادة 6 والمادة 184، وكذا المادة الأولى من الميثاق الوطني تؤكد سمو الميثاق الوطني على الدستور، ثم أخيرا أن لو كانت هناك رقابة عن الطريق الدفع لمارسها القضاء الجزائري، وهو الأمر الذي لم يحدث طيلة الفترة التي كان فيها دستور 1976 ساري المفعول.

المطلب الأول: الرقابة على دستورية القوانين في دستور 1989

لقد جاء دستور 1989 بتعديلات عميقة مست النظام السياسي الجزائري، وتأكيدا من المؤسس الدستوري على ذلك تمت العودة إلى تبني مبدأ الرقابة على دستورية القوانين التي كانت مطلبا لنخب سياسية عديدة منذ 1983، وعليه تم النص عليه في الدستور الجديد في المواد من 153 إلى 159.

يتشكل المجلس الدستوري من 7 أعضاء لولاية مدتها 6 سنوات غير قابلة للتجديد، يعين رئيس الجمهورية 3 أعضاء من بينهم الرئيس ، عضوان ينتخبان من طرف المجلس الشعبي الوطني وعضوان ينتخبان من قبل المحكمة العليا (مادة 154)، ويقوم المجلس الدستوري بالفصل في دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات بإخطار من رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الشعبي الوطني، مع ملاحظة أن جل الأحكام التي صاغها دستور 1989 أعادها دستور 1996 مع بعض التعديلات.

المبحث الثاني: أحكام الرقابة على دستورية القوانين في دستور 96

تضمن الدستور الجزائرية لسنة 1996 تنظيم الرقابة على دستورية القوانين في المواد 163 إلى 169، فنصت المادة 163 على أن يؤسس مجلس دستوري يكلف بالسهر على احترام الدستور، كما يسهر المجلس الدستوري على صحة عمليات الاستفتاء، وانتخاب رئيس الجمهورية، والانتخابات التشريعية، ويعلن نتائج هذه العمليات.

المطلب الأول: تشكيلة المجلس الدستوري

نصت المادة 164 على كيفية تشكيل المجلس بقولها يتكون المجلس الدستوري من تسعة أعضاء: ثلاثة أعضاء من بينهم رئيس المجلس يعينهم رئيس الجمهورية، واثنان ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني، واثنان ينتخبهما مجلس الأمة، وعضو واحد ينتخبه مجلس الدولة، بمجرد انتخاب أعضاء المجلس الدستوري أو تعيينهم، يتوقفون عن ممارسة أي عضوية أو أي وظيفة أو تكليف أو مهمة أخرى، يعين رئيس المجلس الدستوري لفترة واحدة مدتها ست سنوات، يضطلع أعضاء المجلس الدستوري بمهامهم مرة واحدة مدتها ست سنوات، يجدد نصفه كل ثلاث سنوات، وتجدر الإشارة إلى أن تشكيلة المجلس الدستوري كثيرا ما كنت محل نقاش نظرا لدور السلطة التنفيذية فيها حيث يختار رئيس الجمهورية 3 أعضا مع رئيس بصوت مرجح، كما تمتد يده إلى العضوين اللذين تعينهم الهيئتين القضائيتين بما أن رئيس الجمهورية هو من يعين القضاة.

المطلب الثاني: اختصاصات المجلس الدستوري

يضطلع المجلس الدستوري بصلاحيات عديدة خولها له الدستور، ويمكن أن نميز بين صلاحيات أصيلة متمثلة في الرقابة، وأخرى إضافية منها ماهي استشارية ومنها ماهي متعلقة بالانتخابات، كما يمكن أن يكون رئيسه رئيسا للدولة.

الفرع الأول: اختصاصات المجلس في مجال الرقابة

لقد حددت اختصاصات المجلس الدستوري في مجال الرقابة على دستورية القوانين من خلال المادة 165، التي تنص على أنه يفصل في دستورية المعاهدات والقوانين، والتنظيمات، إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ، أو بقرار في الحالة العكسية، وهذا يدل على اعتماد الرقابة القبلية والرقابة البعدية، والفرق الموجود بينهما الرأي غير ملزم على عكس القرار وهذا يعني أنه في حال تم اخطاره قبل صدور القانون فإن البرلمان غير مطالب بالتقيد بموقف المجلس الدستوري، بالتالي يمكن له أن يواصل تشريع القانون من دون حرج مع ما في ذلك من هدم لفكرة الرقابة.

وإذا كانت الرقابة التي سلف ذكرها تعتبر اختيارية على أساس أنها مقترنة بإخطار صادر من الجهات التي حددها الدستور على سبيل الحصر، فإن المجلس الدستوري يمارس رقابة توصف على أنها إجبارية، إذ بعد أن يخطره رئيس الجمهورية، رأيه وجوباً في دستورية القوانين العضوية بعد أن يصادق عليها البرلمان، كما يفصل المجلس الدستوري في مطابقة النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان للدستور، حسب  Ù†ÙØ³ الإجراءات المذكورة، ويجب أن يصدر المجلس الدستوري رأيه أو قراره خلال عشرين يوماً من تاريخ اخطاره، ويترتب على الرأي أو القرار الصادر من المجلس بعدم دستورية المعاهدة أو الاتفاق أو الاتفاقية عدم التصديق عليها، كما يفقد النص التشريعي أو التنظيمي أثره من يوم صدور قرار المجلس بعدم دستوريته.

أما بالنسبة لجهة الاخطار فيلاحظ حسب المادة 166 أنها وسعت إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة، ومع ذلك فتبقى قليلة على أساس أن المجلس الدستوري كان من الضروري أن يكون بمقدوره ممارسة الرقابة من دون اخطار لكي تعطى له فعالية أكبر، وأيضا أن توسع جهات الاخطار إلى أعضاء البرلمان والوزير الأول أسوة بالدستور الفرنسي بل وحتى إلى المجالس القضائية بتحريك من المواطنين أو محاميهم.

الفرع الثاني: الاختصاصات الأخرى

هناك عديد من الاختصاصات الأخرى التي خولها الدستور للمجلس الدستوري نذكر في:

أولا: في مجال التعديل الدستوري

نصت المادة 176 على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل دستوري لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما، ولا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية، وعلل رأيه، أمكن رئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع أصوات أعضاء غرفتي البرلمان.

ثانيا: صلاحية المجلس الدستوري في حال شغور منصب رئيس الجمهورية

        بحسب المادة 88 من الدستور فإن المجلس الدستوري هو الذي يعاين حالة رئيس الجمهورية في حال مرضه أو قيام مانع له يقترح على البرلمان قيام المانع، ويعلن البرلمان قيام المانع بأغلبية الثلثين، وفي حالة تجاوز المانع مدة 45 يوم يجتمع المجلس الدستوري ويعلن شغور منصب الرئيس بالاستقالة فيتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئاسة الدولة وإذا اقترن ذلك مع شغور منصب رئيس مجلس الأمة يتولى مهام رئاسة الدولة رئيس المجلس الدستوري.

ثالثا: صلاحيات في مجال الانتخابات

        يتولى المجلس الدستوري الإشراف على انتخاب رئيس الجمهورية وينظر في الطعون المقدمة بشأن انتخابه، يعلن نتائج الاستفتاءات الشعبية كما يسهر على مراقبة حسابات الحملة الانتخابية، ويتولى أيضا الإشراف على انتخاب أعضاء البرلمان وإعلان النتائج والطعون المقدمة بشأن هذه الانتخابات.

رابعا: صلاحيات استشارية

يكون رئيس المجلس الدستوري كهيئة استشارية في حال ما إذا أراد رئيس الجمهورية إقرار حالة الطوارئ أو الحصار وهذا حسب نص المادة 91 من الدستور، ونفس الشيء في حال ما إذا أراد إعلان الحالة الاستثنائية حسب مقتضيات المادة 93.

 


[1]  Ø§Ù„ملك الفرنسي لويس الرابع عشر أو كما يسمى لويس الكبير من مواليد 1638 وحكم فرنسا من سن الخامسة أي من سنة 1643 إلى غاية وفاته عام 1715.

[2] La Souveraineté du latin classique « Superus » qui veut « Supérieur ».

[3]  - فهي مطلقة لأنها لا تتقيد بحدود معينة ولا توجد سلطة أخرى توازيها وتنازعها وهذا على الرغم من أنها تخضع لمبدأ سيادة القانون Ùˆ تراعي الأسس التي يرتكز عليها المجتمع.

- وهي دائمة لا تزول بزوال الحكام أو تغيرهم ولا حتى بتغير نظام الحكم فيها.

- وهي كذلك سلطة عامة لأنها تحضى بطاعة تامة من طرف الأفراد، Ùˆ لديها الحق في اللجوء إلى استخدام القوة المادية بما لها من سلطة إكراه الأشخاص على طاعتها.  

- وأخيرا هي شاملة بمعنى أنها تشمل كل نواحي الحياة دون استثناء سواء ما كان منها أو ما سيكون.

[4]  ØªÙ†Øµ المادة 59 من الدستور على أنه:" في حالة الخطر الوشيك الوقوع يمكن لرئس الجمهورية اتخاذ تدابير استثنائية لحماية استقلال الأمة ومؤسسات الجمهورية ويجتمع المجلس الوطني وجوبا".